كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
قبل ان يكتمل المشهد الذي يمكن ان يتكوّن نتيجة الجهود الديبلوماسية الجارية لترتيب وقف للنار في غزة، من الصعوبة تقدير ما يمكن ان تنتهي إليه مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت. ذلك انّ هناك نوعاً من السباق بين استحقاقي انتخاب الرئيس من بوابة «لقاء باريس الخماسي» أو عبر تنفيذ القرار 1701. وعليه، هل يمكن ان يولد الرئيس العتيد من رحم التفاهم المنتظر؟ ام انّ هناك فرصة للنفاذ به بمعزل عنه؟
تزامناً مع وجود الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان أمس الأول الثلثاء في الرياض، حيث التقى المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا قبل ساعات قليلة من وصوله الى بيروت، كانت الدوحة تستضيف لقاءً رفيع المستوى، جمع كلاً من مديري الاستخبارات الإسرائيلية ديفيد بارنياع والأميركية وليام بيرنز، مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، للبحث في «المرحلة المقبلة» من اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، انطلاقاً من النية بتمديد العمل بـ «الهدن الانسانية» الخاصة بتبادل الأسرى والرهائن لدى «حماس» بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، بعد دخول القطاع مدار المرحلة الثانية من هذا المسلسل، وإمكان تطويرها للانتقال إلى مرحلة التفاهم على اتفاق ثابت لوقف النار يمهّد للبحث في الحلول السياسية للأزمة.
وفي الوقت الذي كان فيه لودريان يستبق زيارته لبيروت بلقاءات عقدها مع طرفين بارزين من أركان «لقاء باريس الخماسي» من أجل لبنان في الدوحة، قبل أيام قليلة على زيارته الرياض، وهو في الطريق إلى بيروت لاستكمال مهمّته التي دخلت جولتها الرابعة، منذ تكليفه في 8 حزيران الماضي مهمّة متابعة ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان، كان الربط منطقياً بين ما يجري في بيروت ومدى تأثير ما يجري في الدوحة وقطاع غزة على هذا الاستحقاق، بحسب ما اشارت اليه مراجع ديبلوماسية عربية وغربية، معتبرة أنّه «لا يمكن للودريان ان يستكمل مهمّته قبل استكشاف مصير المواجهة المفتوحة في غزة وما يرافقها من مظاهر الحرب في جنوب لبنان».
ولتبرير هذا الربط بين الاستحقاق العسكري الاقليمي والسياسي اللبناني، تصرّ المراجع عينها على القول إنّه لا يمكن للموفد الفرنسي ان يحقق اي خطوة ايجابية في مهمّته الجديدة في بيروت على وقع التردّدات الكبيرة التي تسبّبت بها عملية «طوفان الأقصى» على لبنان والمنطقة، وخصوصاً بعدما انخرط «حزب الله» فيها من طرف واحد منذ صباح الثامن من تشرين الأول الماضي، غداة انطلاقها في غلاف غزة. فالحزب الذي وضع كل إمكاناته العسكرية والسياسية وعلاقاته بـ «محور المقاومة» في هذه المواجهة، لا يبدو انّه سيكون مستعداً للبحث في مسألة انتخاب الرئيس لأكثر من سبب، تقود جميعها إلى احتمال عدم التجاوب مع طروحات لودريان، ما لم يحمل اقتراحات تصبّ في التوجّه الى إعادة ترميم علاقاته مع «الثنائي الشيعي» و»حزب الله» تحديداً، والتي اصابتها ندوب عدة منذ ان ساءت علاقات باريس بطهران. وذلك عند تخلّيه عن فكرة «الصفقة الكاملة» التي تبنّاها لفترة طويلة، والتي قالت بانتخاب الوزير سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وتسمية السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، وهي معادلة أبعدت لودريان عن تحقيق اي انجاز في جولته الثالثة التي انتهت قبل أيام على اندلاع الحرب في قطاع غزة وتمدّدها إلى جنوب لبنان.
وإن كانت المراجع الديبلوماسية لا تحصرعند إحصائها العوائق التي تحول دون ان يحقّق لودريان اي إنجاز في مهمّته الجديدة في لبنان بسوء العلاقات بين باريس وطهران، قبل ان تسوء العلاقة مع «حزب الله» وانعكاساتها على الاستحقاق الرئاسي، فهي ترى انّ الوضع في لبنان والمنطقة ما بعد عمليتي «طوفان الأقصى» و»السيوف الحديدية» لم يعد كما كان من قبلهما. وإنّ البحث في كل ما هو مطلوب لإنهاء الحرب في غزة وما يطاول الجبهة اللبنانية تحديداً، قد تبدّل جذرياً. وإنّ البحث في طريقة معالجة النتائج التي انتهت إليها العمليات العسكرية على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية قد وضعت الاستحقاق الرئاسي في ثلاجة الإنتظار.
وتضيف المراجع عينها عند خوضها في التفاصيل، انّ ما هو مطروح اليوم بما يعني هاتين الجبهتين، بات اكثر تعقيداً. ذلك انّ البحث بما سيكون عليه الوضع في غزة في «اليوم التالي» لإعلان وقف النار وتجميد العمليات العسكرية في القطاع وفلسطين المحتلة كاملة، واكبه نقاش معمّق في الأندية الديبلوماسية الاقليمية والدولية وفي الأمم المتحدة تحديداً، حول مصير القرار 1701 الذي أُعيد طرحه على الطاولة مجدداً في ضوء ما تعرّض له من انتهاكات مسّت بكل ما قال به من ترتيبات امنية وعسكرية عطّلت دور القوات الدولية المعززة («اليونيفيل») في الجنوب، كما الجيش اللبناني، لمجرد انتشار السلاح غير الشرعي متمثلاً بمقاتلي الحزب وحلفائه من الفصائل الفلسطينية في منطقة انتشارهما جنوب نهر الليطاني، كما على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، فإنّ النظرة الى مهمّة لودريان قد تبدّلت، حتى انّ بعضاً ممن يهتمون بملف الاستحقاق الرئاسي لم يتفهموا بعد الظروف التي قادت الى إحياء مهمّته في لبنان وما الذي قصد تحقيقه. وخصوصاً انّ المعلومات التي تسرّبت من محادثاته التي أجراها في الدوحة والرياض، لم توفّر أي معلومة ايجابية ومفيدة عن جديد متوقع. كما انّها لم ترصد أي تحول في مواقف أعضاء اللجنة الخماسية من أجل لبنان، التي لم تلتق بعد على نظرة نهائية موحدة. فمعظم أطرافها الفاعلين انخرطوا في ملف حرب غزة، وقد يئسوا من فشل أي مسعى قاموا به بهدف تغيير محتمل في المعادلة السلبية التي شلّت المجلس النيابي ومنعته من القيام بواجبه الدستوري بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية قبل القيام بأي عمل آخر.
ولذلك، وعلى عكس ما إشاعته بعض المعلومات التي انتشرت في بيروت، والتي تحدثت عن حسم بعض المواقف من هوية بعض المرشحين وتقدّم اي منهم على آخر لم تكن دقيقة، إن لم تكن مغلوطة بكاملها. والسبب في رأي هذه المراجع، تمادي اللبنانيين بالخلط بين الرغبات والأمنيات بعيداً من المعلومات الموثوقة التي لم تشر بعد الى اي تعديل في المواقف من اسمي المرشحين اللذين خاضا المواجهة الاولى حتى جلسة 14 حزيران الماضي، وصولاً الى مضمون اللائحة التي تحدثت عن «المرشح الثالث» والتي تعدّدت الأسماء المدرجة عليها.
وقياساً على ما تقدّم، تصرّ المراجع الديبلوماسية والسياسية المعنية على الدعوة الى التريث في الحكم على مهمّة لودريان، في انتظار ان تتبين نتائج الجهد المصبوب لمعالجة وضع غزة وما يقتضيه تطبيق القرار 1701 بعد التعديلات الاخيرة على قواعد الاشتباك لمعالجة الوضع في الجنوب، في ضوء بيانات السفارات الاميركية والبريطانية والفرنسية وممثلة الأمم المتحدة في لبنان، قبل البحث في من سيترجم هذه التفاهمات من موقعه في قصر بعبدا.