ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله أحد أصحابه، عندما قال له: “اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وكل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجانبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية”. أيها الأحبة: لنأخذ بوصية رسول الله، لنكون أكثر وعياً لمسؤوليتنا تجاه ربنا وتجاه أنفسنا وتجاه الناس وأكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
وتابع:” البداية من قطاع غزة حيث لم تفلح كل الجهود التي بذلت من قبل الوسطاء المحليين في إيقاف هذه الحرب المجنونة، والتي شهدنا ومع الأسف لا نزال نشهد مآسيها وكوارثها والتي استهدفت وتستهدف الحجر والبشر وكل مرافق الحياة، بعدما عاود العدو الصهيوني الاستمرار بحربه سعيًا منه لتحقيق أهدافه التي أعلنها في استعادة أسراه والقضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني وتلك التي لم يعلنها، وهي تهجير الشعب الفلسطيني في القطاع بجعله غير قابل للحياة، وهو يستفيد في ذلك من ترسانته العسكرية ومن الدول الداعمة له، رغم بعض التحفظات التي باتت تبديها، والتي نراها بمثابة التمنيات والتي لن يكون لها واقعية أو مصداقية على الأرض، وهو في ذلك لم يستوعب بعد دروس الماضي والحاضر وعبره في أن ما يهدف إليه العدو بعيد المنال في ظل الصمود الذي أظهره الشعب الفلسطيني وصبره واستعداده لبذل التضحيات الجسام في مواجهة غطرسة هذا الكيان والذي منعه سابقاً من تحقيق أهدافه وسمعته مجدداً واستعادة هيبته التي فقدها بعدما أذلته المقاومة لا سيما في عملية طوفان الأقصى”.
وأضاف: “إننا لا نهون من قدرات هذا العدو ومن إمكاناته، ومن الضوء الغربي الأخضر الممنوح له، والتي قد تعطيه فرصة لأن يتقدم في ساحة المعركة، لكننا على ثقة بأنه لن يستطيع كسر إرادة الشعب وتحقيق أهدافه أياً تكن الجراح والآلام التي قد تصيبه، بل تزيد من مآزقه وتعمق تشويه صورته في العالم. إننا لا نأمل أخيرًا من أن يرتدع العدو بنفسه عن مواصلة ارتكابه المجازر بعد سيل الإدانات التي وجهت إليه، لأن مثل هذا النهج هو من طبيعته وقد أدمن عليه انطلاقاً من إيمانه بأن لغة العنف والقتل والمجازر هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه، لكننا نتوجه اليوم إلى العالم الذي لا يزال يدعم هذا الكيان ويمده بكل وسائل القوة، لندعوه أن يصغي ولو لمرة واحدة إلى معاناة هذا الشعب والإذلال الذي يتعرض له وإلى الأسباب التي دفعته إلى حمل السلاح وإلى مواجهة هذا الكيان بالصورة التي حصلت، فهو لم يقم بذلك رغبة منه بالقتال أو حباً بالقتل أو الأسر، بل بعدما سدت أمامه الأبواب التي طرقها لإعادة أسراه ورفع الحصار عنه وما يتعرض له من قتل يومي وأسر”.
وأشار إلى أنه “من المؤسف أن ينعت هذا الشعب بالإرهاب وبالداعشية، وهو الذي شهد العالم كيف يتعامل مع أسراه حين قاسمهم الطعام والشراب وأشعرهم بالأمان والطمأنينة رغم أنهم قد يكونون ممن قتل أهلهم وأقرباؤهم ودمرت بيوتهم وعانوا في سجون كيانهم، هم لم يردوا بالانتقام من كل ذلك، بل تعاملوا مع الأسرى من خلال إنسانيتهم وإيمانهم الذي يدعوهم إلى ألا يقتلوا أسيراً وأن يحسنوا أسره والذي تشير إليه الآية: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}… وأن لا ينسوا أخلاقهم حتى مع أعدائهم”.
وقال إنه ” أمام كل ما يجري نجدد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم وكل من يلتزم القيم الدينية والأخلاقية والحس الإنساني، إلى إعلاء صوتهم واستخدام كل وسائل الضغط على هذا الكيان والدول الداعمة له لمنعه من العودة إلى ارتكاب المجازر بحق هذا الشعب والتمادي في عدوانه فأنتم قادرون على ذلك، وكما استطعتم من خلال حضوركم الفاعل أن تفرضوا على هذا الكيان أن يقبل بالهدنة والتفاوض بعد الصمود الهائل الذي واجهه العدو في الميدان وتكبيده الخسائر الفادحة، أنتم قادرون على إيقاف نزيف الدم. وهنا، لا بد من أن نعرب عن تقديرنا لكل الدول والشعوب التي أعلنت وقوفها مع هذا الشعب وساندته وأيدته إن بالكلمة وإن بالموقف أو بالمال أو بالديبلوماسية أو بالإسناد العسكري وباستخدام مختلف الضغوط لكي تفرض على العدو إيقاف حرب الإبادة”.
وتابع:”كما نتطلع بعين المسؤولية تجاه ما يجري في غزة، لا بد من أن نتطلع إلى ما يحصل في الضفة الغربية، حيث يستمر العدو بممارساته الإجرامية من قتل واعتقال وتهديم للمباني والبنى التحتية التي لم تتوقف، وقد شهدنا الصورة المروعة باستهدافه للأطفال بدم بارد وأمام الإعلام، لكن كل ذلك لن يثني هذا الشعب عن مواصلة المقاومة واستمرار عملياته ضد هذا العدو”.
ولفت إلى أنه “نصل إلى لبنان الذي لا يزال يعاني الترهل في مؤسساته الدستورية والأمنية بفعل استمرار الشغور على صعيد رئاسة الجمهورية، والخوف من عدم الوصول إلى حل للفراغ الذي قد يحصل على صعيد قيادة الجيش، واستمرار تهديدات العدو للبنان. إننا أمام ذلك نعيد دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها للإسراع بالتوافق على إيجاد صيغة توافق تضمن التوصل إلى إيجاد حل لكل هذه الاستحقاقات ولا سيما على صعيد قيادة الجيش وعدم انتظار أن تأتي الحلول من الخارج، أو مما قد ينتج في الحرب الجارية في غزة. في الوقت الذي ندعو إلى موقف موحد في التعامل مع دعوة اللبنانيين إلى تنفيذ القرار 1701 بدعوة العالم الذي يطالب اللبنانيين بذلك إلى أن ينظر إلى تنفيذ القرارات الدولية بكلتا العينين، وليس بالعين الإسرائيلية وحدها بحيث يتم التغاضي عن استعادة لبنان حقه في كل أراضيه، وعن تمادي العدو في انتهاكاته، وحيث تستمر خروقاته الجوية واختراقاته الدائمة عند الشريط المحتل بجرافاته وآلياته حتى من قبل ما يجري في غزة والضفة أخيرًا، وبالتالي فلا بد للمسؤولين من تذكير الجميع بذلك، إضافة إلى تحمل الأطراف اللبنانيين المسؤولية في الحفاظ على وحدة الموقف الداخلي في مواجهة العدو، وفي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الوحدة الداخلية”.
وختم: “أخيرًا نتوقف عند الوضع في الجنوب اللبناني الذي شهد وقد يشهد استمرار معاناة أهالي الشريط الحدودي في أرواحهم وبيوتهم ومقدراتهم بفعل ما قام به العدو، وما نخشى أن يقوم به. نحن هنا نشد على أيادي أهالينا وننوه بصبرهم وثباتهم ومواقفهم العزيزة، وننوه بكل الجهود التي تبذل من أجل مساعدة الأهالي لتعزيز هذا الصمود سواء من قبل المقاومة أو الحكومة أو مبادرات الخيرين في هذا المجال، في وقت نعرب عن أسفنا وألمنا لكل الأصوات التي أرادت أن تعرقل عملية إيصال المساعدات والعون إلى أهلنا الذين تعرضوا لأضرار جسيمة بفعل العدوان الصهيوني الأخير”.