كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
إحتاج صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي إلى حرب في تموز وآب 2006. كان «حزب الله» يريد إنهاء تلك الحرب بأي ثمن فوافق على أن تقبل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ذلك القرار. وبعد صدوره عمل على تجاوزه من خلال الإحتفاظ بسلاحه في منطقة جنوب الليطاني بالتوازي مع التزامه باحترام وقف العمليات الحربية، ضمن ما اتفق على تسميته بقواعد الإشتباك، حتى عاد وانفجر الوضع العسكري بعد 7 تشرين الأول الماضي، وعاد الحديث عن تطبيق القرار 1701 كممر إلزامي لوضع حدّ للحرب في الجنوب واستعادة الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها.
ثمة روايات كثيرة للظروف التي أدّت إلى ولادة القرار 1701 في 12 آب 2006 بعد شهر من العمليات الحربية، وللأسباب التي حملت «حزب الله» على الموافقة عليه على رغم أنه نصّ على نزع سلاحه وأكد على القرارات الدولية السابقة 425 و426 و520، و1559 الذي صدر في 2 أيلول 2004 وطالب بنزع سلاح الحزب وسحب الجيش السوري من لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
القرار أعدّته الولايات المتحدة وفرنسا ووافق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع ودعا إلى وقف الحرب في لبنان، وإلى سحب القوات الإسرائيلية من الجنوب بالتزامن مع نشر قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» وقوات الجيش اللبناني بعد زيادة عديد كل منهما إلى نحو 15 ألف جندي. وبناء على إصرار لبنان وافقت الولايات المتحدة وبريطانيا على التخلّي عن الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بعملية قوية لحفظ السلام من قبل الأمم المتحدة. ولكن النصّ أعطى الحكومة اللبنانية حقّ طلب مساعدة القوات الدولية في تنفيذ أي قرار تتخذه من أجل استكمال بسط سيادتها على كامل أراضيها. ولكن منذ ذلك التاريخ لم تلجأ أي حكومة إلى مثل هذا الطلب، واستبدلته بمراعاة «حزب الله» الذي نفّذ سلسلة انقلابات أمنية وسياسية من أجل الإمساك بالقرار السياسي وبتشكيل الحكومات وانتخاب رئيس الجمهورية من أجل أن يُبقي على سلاحه.
إحياء خط هدنة 1949
لم يكن مجلس الأمن بعيداً عن تعقيدات الوضع الداخلي في لبنان. فقد رحّب القرار بجهود رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والتعهد الذي قطعته الحكومة في خطتها المؤلَّفة من 7 نقاط، ببسط سلطتها على أراضيها بواسطة قواتها المسلحة الشرعية… ورحّب بالقرار الذي اتخذته بالإجماع في 7 آب 2006 بنشر 15 ألف عسكري من الجيش اللبناني في جنوب لبنان، بالتزامن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق، وبطلب مساعدة قوات إضافية لقوة الطوارئ الدولية حسب الحاجة… القرار الذي اعتبر أن الوضع في لبنان يشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، أكّد «ضرورة أن تبسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كل الأراضي اللبنانية طبقاً لبنود القرارين 1559 (2004) و1680 (2006) ولبنود اتفاق الطائف ذات الصلة، لممارسة سيادتها بشكل كامل وبما يؤدّي إلى عدم وجود أي سلاح بدون موافقة الحكومة اللبنانية وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها، وعلى تلبية طلبها بالمساعدة لتحقيق هذا الأمر، وعلى تمسّكه الثابت بوحدة وسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً كما هو وارد في اتفاقية الهدنة الإسرائيلية اللبنانية الموقّعة في 23 آذار 1949». وطلب أيضاً من الحكومة اللبنانية ضمان أمن حدودها بما يمنع دخول أسلحة أو معدات مرتبطة بها بدون موافقتها. وطلب من قوة الطوارئ الدولية تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية بطلب منها.
البنود السبعة وموافقة «حزب الله»
أتى القرار 1701 بعدما كانت الحكومة اللبنانية، ومعها «حزب الله» الممثل فيها بالوزير محمد فنيش، قد وافقت على البنود السبعة، وفيها:
1 – التعهد بإطلاق الأسرى والمحتجزين اللبنانيين والإسرائيليين عن طريق لجنة الصليب الأحمر الدولي.
2 – انسحاب الجيش الاسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق وعودة النازحين إلى قراهم ومدنهم.
3 – التزام مجلس الأمن وضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت سلطة الأمم المتحدة حتى ينجز ترسيم الحدود.
4 – بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل أراضيها عبر انتشار قواها المسلحة الشرعية مما سيؤدي إلى حصر السلاح والسلطة بالدولة اللبنانية كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.
5- تعزيز القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان وزيادة عديدها وعتادها وتوسيع مهامها ونطاق عملها.
6 – اتخاذ الأمم المتحدة بالتعاون مع الفرقاء المعنيين الاجراءات الضرورية لاعادة العمل باتفاق الهدنة الذي وقّعه لبنان واسرائيل في العام 1949.
7 – التزام المجتمع الدولي دعم لبنان على كافة الأصعدة ومساعدته على مواجهة العبء الكبير الناتج عن المأساة الانسانية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد خاصة في ميادين الإغاثة وإعادة الإعمار وإعادة بناء الاقتصاد الوطني.
لماذا لم ينفذ القرار؟
ولكن على الرغم من كل ذلك سعى «حزب الله» إلى التفلت من هذه الموافقة التي لم يلجأ إليها إلا للمناورة والإنتقال إلى مرحلة جديدة. ولذلك لم يطبّق القرار 1701 بنصّه وروحه نتيجة هذا العامل بالإضافة إلى عوامل أخرى ومنها:
– لم تستطع الأمم المتحدة تشكيل القوة الدولية لتكون قوة تدخّل وردع. وبالكاد استطاعت جمع نحو عشرة آلاف جندي من عدد من الدول خصوصاً أنّ دولاً كثيرة امتنعت عن المشاركة، والتي شاركت بقيت حذرة ومتخوفة من تعرّض قواتها لاعتداءات طالما أنّ «حزب الله» لم يلتزم بالقرار، وطالما أنّ الحكومة اللبنانية لن تطلب نزع سلاحه وبسط سيادتها على كامل أراضيها. وهذا الأمر انعكس على التزامها إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، حيث أن العدد لم يصل إلى 15 ألف جندي.
– حال «الحزب» مع النظام السوري دون تمكّن الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة من ضبط الحدود البرية والبحرية والجوية بعد الإعتراض على نشر أي قوات دولية على المعابر البرية وفي مطار بيروت.
– انّ الحكومة كانت تشكلت في 17 تموز 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعد انتخابات نيابية حصلت فيها قوى 14 آذار على الأكثرية التي سمّت الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة فشكّلها بأكثرية لا يسيطر عليها «الحزب» الذي شارك فيها عبر الوزير محمد فنيش ولم يكن وارداً عندها الإصطدام بالحزب.
– لم تذهب قوى 14 آذار في مسار فرض استقالة رئيس الجمهورية إميل لحود الملتزم بقرار «حزب الله» والمزايد عليه في ضرورة احتفاظه بسلاحه. ولم تسعَ الحكومة لتطبيق القرار 1559 في ظلّ الزخم الداخلي المعارض للحزب والجو الدولي الذي كان وراء ذلك القرار.
– سعى «الحزب»، قبل الحرب وبعدها، إلى ربط النزاع الداخلي مع قوى 14 آذار، باعتبار أنّ مسؤولية نزع سلاحه تبقى قراراً دولياً وليست قراراً محلياً لأنّ أي قوة داخلية عسكرية أو سياسية عاجزة عن تنفيذه.
– عمل «الحزب» بعد الحرب مباشرة على تحميل الحكومة مسؤولية مسح اضرار الحرب على رغم أنّها لم تكن شريكة في القرار وعملت على وضع حدّ لها بموافقة «الحزب».
– انتقال «الحزب» بعد الحرب إلى مرحلة تخوين الحكومة وقوى 14 آذار واتهامها بالتآمر عليه والعمل على إطالة أمد الحرب وعدم توقّفها إلا بعد القضاء عليه. وهذا ما أدّى عملياً إلى استقالة وزراء «الحزب» وحركة أمل والوزير المحسوب على الرئيس لحود من الحكومة ومحاصرة مناصري «الحزب» و»التيار الوطني الحر» السراي الحكومي والمطالبة باستقالتها.
– عمل «الحزب» على الحدّ من فعالية انتشار القوات الدولية والجيش اللبناني في الجنوب محتفظاً بقواته وأسلحته ومتّخذاً من «الأهالي» غطاء لتحركاته وحضوره. وبدل أن تحدّد هذه القوات نطاق وجوده حدّ نطاق حركتها.
– خضوع الجيش اللبناني للقرار السياسي الحكومي بعدم التصدّي للحزب، ولتقاعس الأمم المتحدة في تنفيذ مندرجات القرارين 1701 و1559. وبالتالي تحوّل مع الوقت إلى التعايش مع «الحزب» على أرض واحدة. وبدا من خلال ذلك أنّ ذهاب الجيش إلى الحدود الجنوبية للمرة الأولى منذ العام 1975 لم يؤدِّ إلى النتيجة المطلوبة، ولم يبدّل في واقع الأمر على رغم أنّ الجيش خاض المواجهة في الحرب وتكبّد خسائر.
– اعتماد «الحزب» على قوته في الداخل تنفيذاً لقرار أمينه العام السيد حسن نصرالله أنّ السلاح يحمي السلاح، وأنّه سيقطع اليد التي تمتد إليه، وأنّه لم يحتَج ولا يحتاج إلى أي غطاء أو أي إجماع من أجل القيام بما يرى أن عليه القيام به. وتنفيذاً لهذا الأمر كانت غزوة الحزب في 7 أيار 2008 في بيروت والجبل، التي أدّت إلى الإنقلاب على «اتفاق الطائف» بموجب «تفاهم الدوحة»، وكان هذا أيضاً انقلاباً على القرار 1701 الذي طالب بتنفيذ «الطائف» ونزع سلاح «الحزب».
السيطرة على القرار لإسقاط القرار
منذ ذلك التاريخ سعى «الحزب» إلى السيطرة على القرار اللبناني حتى لا يأتي أي رئيس للجمهورية بغير إرادته، ولا تتشكّل أي حكومة لا يوافق عليها، وذلك حتى يحول دون أن تكون هناك أي مطالبة رسمية بتطبيق القرارين 1559 و1701، وبنزع سلاحه وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بمعاونة القوات الدولية.
بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، اعتبر «الحزب» أنّ ثمة أجواء تُهيَّأ للإنتفاض على سيطرته على القرار السياسي وتحكمه بالسلطة. لذلك سلك خط المواجهة الداخلية عبر تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، ثم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد عدم تمكّنه مع «التيار الوطني الحر» من الحصول على أكثرية نيابية موالية له. بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي وانفجار الوضع العسكري على الحدود الجنوبية بين «حزب الله» وإسرائيل، التي هدّدت بتغيير قواعد اللعبة، عادت المعادلة إلى ما انتهت إليه بعد حرب تموز 2006. هل يُطبَّق القرار 1701 أم لا؟ ليس من الوارد اليوم، في ظلّ استمرار الوضع كما هو، أن يقبل «حزب الله» بالتزام مندرجات ذلك القرار. وهو كما اتهم المعارضين له بالتآمر عليه في حرب تموز، لا يزال يتّهمهم بأنهم يتآمرون عليه اليوم.
ولكن «الحزب» يتصرّف وكأنه يخاف من الدخول في حرب واسعة وينتظر القرار الإسرائيلي. وهو لذلك يخشى أن يكون هناك تأكيد دولي جديد على تنفيذ القرار 1701. مع الإشارة إلى أنّ تنفيذ هذا القرار لا يمكن أن يتمّ في حال بقيت اللعبة محصورة ضمن القواعد التي منعت تطبيقه في العام 2006. ولذلك يخشى «الحزب» الدخول في الحرب على خلفية أنّها ستكون مقدّمة لتطبيق هذا القرار المؤجّل التنفيذ حتى تأتي الساعة. من هنا يأتي ربما الحرص الدولي على استمرار العماد جوزاف عون في قيادة الجيش، وعلى وحدة الجيش، لكي يتمكّن من القيام بأي مهمة يمكن أن تُلقى على عاتقه. ومن هنا أيضاً ربما تُفهم محاولة وضع اليد على الجيش وقيادته.