كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
تخوض القوى السياسية سباقاً مع الوقت قبل موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى التقاعد بداية العام المقبل، من دون القدرة على تمديد ولايته أو تعيين بديل له، في ظل الشلل السياسي الذي يصيب البلاد في غياب رئيس الجمهورية وعدم التوافق على مهام حكومة تصريف الأعمال.
وبات الفرقاء اللبنانيون في سباق مع الوقت لحسم الموقف وتفادي الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية، بحيث سيكون هذا الأسبوع حاسماً لجهة تعيين خلف له من قبل الحكومة أو التمديد له، إما عبر الحكومة أو عبر مجلس النواب، وإن كان الخيار الثاني لا يزال يتفوق على الأول.
وجدد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يدفع باتجاه التمديد للعماد عون مع أفرقاء آخرين أبرزهم الحزب «التقدمي الاشتراكي» وحركة «أمل»، مطالبته رئيس البرلمان نبيه بري بالدعوة إلى جلسة تشريعية وإقرار التمديد. وكتب عبر حسابه على منصة «إكس»: «نحن اليوم في 4 كانون الأول. وما زلنا في انتظار الرئيس نبيه بري ليدعوَ إلى جلسة لمجلس النواب كما وعد بغية تجنيب المؤسسة العسكرية أي هزة أو فراغ أو فوضى لا سمح الله».
وما أعلنه بري سابقاً، لجهة انتظار ما ستقوم به الحكومة قبل أن يتخذ هو الخطوات اللازمة عبر مجلس النواب، لا يزال ساري المفعول، وفق ما تؤكد مصادر نيابية في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «خلال الساعات المقبلة لا بد أن يظهر الخيط الأبيض من الأسود، إما أن يُحسم الموضوع في الحكومة أو سيدعو بري إلى جلسة نهاية هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل»، مشيرة إلى أن «محاولات أخيرة لا تزال تُبذل على هذا الخط، ولم يُفقد الأمل في أن ينجز الموضوع على طاولة مجلس الوزراء». مع العلم، أن اعتراض رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ومن خلفه الوزراء المحسوبون عليه، وعلى رأسهم وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، يحول دون قدرة الحكومة على السير بالتمديد حتى الآن.
وكان قد ظهر خلاف بين وزير الدفاع والبطريرك الماروني بشارة الراعي، الأسبوع الماضي، حيال هذا الأمر، وذلك على خلفية دعم الراعي خيار التمديد الذي يرفضه سليم بشكل قاطع ويصر على تعيين قائد جديد. وقال: «التمديد لقائد الجيش لا يسمح به قانون الدفاع، والأمر يحتاج إلى تعديل القانون، وهذا غير متوفر حالياً».
وخلاف مماثل سُجّل خلال لقاء باسيل مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي طرح أيضاً التمديد للعماد عون، وهو ما عارضه رئيس «التيار»، رافضاً التدخل في الشؤون اللبنانية، وفق ما نُقل عنه.
وفي هذا الإطار، تتحدث مصادر «القوات» عن ساعات وأيام حاسمة في موضوع التمديد لقائد الجيش إما عبر الحكومة أو عبر البرلمان، مسقطة بذلك خيار التعيين، وتنطلق في ذلك من التأييد الداخلي الواسع لهذا الخيار باستثناء باسيل الذي يعارضه لاعتبارات شخصية ورئاسية؛ لأن التمديد للعماد عون يمدد حظوظه لرئاسة الجمهورية، وفق تعبيرها. وتشير إلى أنه أضيف لهذا التأييد تأييد خارجي يتمثل عبر موقف دول اللجنة الخماسية، مذكّرة بأن داعمي التمديد ينطلقون من موقفهم من اعتبارات باتت معروفة، أهمها الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي تعود له صلاحية تعيين قائد الجيش والوضع الاستثنائي في لبنان الذي يعيش «حالة حرب».
وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا تم الاتفاق وأُقر التمديد في الحكومة فسيكون هو الخيار الأفضل، أما إذا تعذّر يكون عبر البرلمان، وتؤكد أن «الاتصالات تتكثف على مختلف الخطوط، ومن الآن حتى نهاية الأسبوع كحد أقصى يجب أن يتضح مسار الأمور، إما أن يتم التوافق لحسمها حكومياً، خاصة مع بدء العد العكسي لموعد إحالة العماد عون للتقاعد وقبل بدء مرحلة الأعياد… أو يتم الحسم برلمانياً».
وفي الأيام الأخيرة يخوض «القوات» و«التيار» سجالاً على خلفية هذه القضية، ولا سيما أن باسيل الذي طرح خيار تعيين قائد جديد للجيش عبر مجلس الوزراء بدل التمديد للعماد عون، كان قد شن حملات ضد حكومة تصريف الأعمال رافضاً اجتماعاتها وقراراتها التي يعدها غير دستورية في غياب رئيس للجمهورية، إضافة إلى رفضه إجراء تعيينات في ظل الفراغ، وهو ما ينتقده «القوات»، عادّاً أنه بدّل موقفه. في المقابل، يعد «التيار» أن «القوات» تراجع أيضاً عن موقفه السابق الرافض للتشريع في البرلمان انطلاقاً من أن مجلس النواب يتحول إلى هيئة ناخبة في حالة الفراغ، وهو اليوم يبدي مرونة في هذا الإطار إذا تمت الدعوة إلى جلسة لإقرار التمديد.
وفي هذا الإطار، كان اتهام «التيار» لـ«القوات» بالانقلاب على موقفه، وقال عبر حسابه على منصة «إكس»: «لا داعي لتوتر (القوات) أو تبرير سعيها للتمديد… يكفي أنّها انقلبت على موقفها من وجوب عدم حضور أي جلسة تشريعية إلى قيامها بتقديم اقتراح قانون التمديد والإعلان عن حضورها جلسة من عشرات البنود غير الضرورية، ليتيقن الرأي العام إلى أي مدى هي (غب الطلب) للقوى الخارجية وتستجيب لطلباتها، سواء كانت سفيراً أميركياً أو موفداً فرنسياً… لا فرق»، وأضاف: «المهم أن احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار لديها مجرد شعار ووجهة نظر!».