كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
بيان من عشرة أسطر موقّع من حركة المقاومة الإسلامية حماس- فلسطين عنونته: إعلان تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان جعل صفحات الـ»سوشيل ميديا» تستعيد الكلام عن «فتح لاند». صحيح أن حماس في لبنان حاولت أن تعيد تصويب ما قصدته حماس فلسطين لكن اللبنانيين شعروا من جديد أن «حيطهم واطي». فحماس- فلسطين لم تدعو الى تكوين طلائع في الأردن وفي سوريا وفي مصر بل في لبنان. فهل كان الإعلان مجرد حماسة متسرعة؟
الخطوط الهاتفية كانت البارحة (بعد العاصفة) متعثرة في لبنان فماذا عن خطوط إستعادة «فتح لاند» في لبنان؟ وهل يمكن أن يُخبر كريم بقرادوني، الشاهد على نشوئها، اللبنانيين بما حصل آنذاك؟ يجيب «حين اشتبك الملك الحسين مع الفلسطينيين في مخيمات الأردن وحاصرهم إضطرّ أبو عمار والمجموعات الفلسطينية أن يغادروا. ولبنان كما تعلمون كان المكان الرحب. أتوا وانشأوا في الجنوب ما سُميّ فتح لاند في الخطوط الأمامية. هذه الأرض الجديدة كانت نتيجة خسارة أبو عمار أمام الملك الأردني. وسبق أن جاء إتفاق القاهرة ليؤكد حقّ الفلسطينيين بالتزود بالسلاح داخل المخيمات وشرّع وجود السلاح فيها».
إبن الحركة الوطنية سابقاً الياس عطالله يتذكر هو ايضاً يوم نشأت فتح لاند في لبنان: «الصحافة أعطت آنذاك التسمية «فتح لاند» ولكن قبل إتفاق القاهرة عام 1969 وقبل أيلول 1970 إجتمع المجلس النيابي في لبنان ووقّع على الإتفاق بالسماح بتسليح المخيمات والتواجد في منطقة تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود (في الجبهة الشرقية) وصوّت النواب على الإتفاق من دون قراءته. ويومها شخص واحد إمتنع عن التوقيع هو ريمون إده».
كان يا ما كان. ماذا عن اليوم؟ يجيب عطالله «الوضع اليوم اختلف. ألغي إتفاق القاهرة في مجلس النواب في الثمانينات. سبق ذلك، إتخاذ سوريا قرار إبادة المخيمات عام 1986. أراد السوريون ضرب الحركة الوطنية والفلسطينيين في لبنان. وهذا ما ورد على جدول أعمال حافظ الأسد. إغتالوا كمال جنبلاط الذي كان يرفض الدخول السوري. وأتذكر هنا، أنني في أحد اللقاءات التي جمعتني وآخرين مع حافظ الأسد وكان جورج حاوي يطالب بالوحدة الفورية مع سوريا. في نهاية الجلسة المملة قال الأسد لحاوي: يجب أن لا نتكلم عن الوحدة. ثمة أشياء تنجز ولا تُحكى».
كريم بقرادوني يرى بدوره أن الظروف اليوم تغيرت. ويُخطئ من يقول «حماس لاند» كما «فتح لاند» ويشرح: «حصل خطآن سابقاً. أولا، كانت هناك خلافات حول دور الجيش اللبناني وتقرر أن يقتصر ذلك على الحدود وليس في الداخل، فتوسعت «فتح لاند» في الداخل. الخطأ الآخر، هو التحالف الذي كان قائماً بين أبو عمار وأبو أياد والحركة الوطنية في لبنان وتحديداً مع كمال جنبلاط والحزب الشيوعي، ما سهّل عمل الفلسطينيين. ولاحقاً جرت شرعنة ذلك من خلال إتفاقية القاهرة. اليوم، لا تملك حماس أي غطاء شرعي لا عربي ولا داخلي إلا من «حزب الله «وهو ما يسمح لها بالتحرك في الجنوب في منطقة معينة وتحت إمرة الحزب. الفارق إذاً كبير بين الأمس واليوم. قديماً كانت قضية فلسطينية اليوم هناك حركة حماس. قبل كانت مدعومة من كثيرين الآن سندها الوحيد في الداخل اللبناني حزب الله» لذلك يستبعد بقرادوني أن «يتمكن حزب الله من حماية وجود حماس في المناطق الضيقة المحسوبة بالكامل تحت سيطرته في الجنوب (لأن 80 في المئة من أماكن وجوده تضمه والجيش اللبناني). لأن حركة حماس ستكون خطراً مباشراً عليه». ويتابع: «حين دخل أبو عمار الى لبنان كانت المعركة في الأردن محسومة. الآن لا شيء محسوماً في غزة والقضية الفلسطينية عند منظمة التحرير لا عند حماس. ولا جوّ حرب إقليمية وإيران تشتغل سياسة ويبدو أنه لا يجوز أن يتحول لبنان الى غزة ثانية». ويستطرد بقرادوني: «الحركة الوطنية التي كانت موجودة زمان إنتهت، أما بيئة التعاطف بين اللبنانيين اليوم فهي ذات بعد إنساني لا سياسي. فالكل مع الشعب الفلسطيني في غزة لا مع حماس. كل ذلك يجعلني أقول إن المقارنة بين ما يحدث اليوم وفتح لاند خاطئة لأن حماس ليست منظمة التحرير التي هي عضو في جامعة الدول العربية بينما قرارات حماس لا يغطيها أحد، وبالتالي لن تستطيع حماس في الظروف الداخلية والخارجية أن تتمدد في الجنوب كما فتح».
الياس عطالله يؤكد ما قاله بقرادوني ويقول: «خطورة ما قد نشهده ليس من حماس والفلسطينيين بل من لبنانيين. هناك محاولة من أجل تكوين تنظيم متطرف كما حصل مع داعش. هناك من يحاول جدياً إدخال نفس سني بديل للنفس المعتدل» ويستطرد بالقول: «لا أعرف ماذا يريد أن يفعل حقا هؤلاء؟ مساعدة غزة؟ القرار في كل ما قد يحدث في يديّ حزب الله. وما سمعناه من الجماعة الإسلامية في صيدا مقبول من حزب الله لتفريغ الدولة من مضمونها. لا مانع عند الحزب أن يدخل نفس كما نفس حلفائه الأإخوان المسلمين. فالقاعدة إختبأت في 11 أيلول 2001 في طهران. وإبن بن لادن حمزة كان يوم إغتيل في طهران. ولا يمكننا أن نصدق أن «حزب الله» ذهب الى سوريا ليقاتل داعش وهو من استخدمها. وبالتالي كل ما يريده الحزب اليوم هو إضعاف الدولة. هذه هي إستراتيجيته لأنه عارف تماماً أنه لا يمكن أن يحكم لبنان إلا من خلال دولة ضعيفة».
هل يوافق شاكر برجاوي، رئيس التيار العربي، على ما يقال أن تنظيمات سنية في لبنان تستخدم اليوم إيرانياً عبر حزب الله؟ يجيب: «نحن لسنا تياراً سنياً بل نحن نتشكل من كل الطوائف. في كل حال نقول إن لا عودة الى ما قبل 1982 والمقاومة (حزب الله وحماس) ليست بحاجة الى من يقاتل معها. لديها مشكل في فائض العدد والجبهة لا تتسع للمزيد». لكن، هل يسمح حزب الله للتيار العربي بالمشاركة؟ يجيب «نحن مشاركون. نحن اشتركنا وانتهى الموضوع، نحن أصبحنا على الجبهة». وماذا عن الكلام عن «حماس لاند»؟ يجيب «لا أعتقد أن الفلسطيني في وارد العودة ولا نحن نريد ذلك».
فلنتوجه الى فتح. ماذا يقول عضو قيادة حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عبادي عن بيان حماس بإنشاء طلائع طوفان الأقصى في لبنان؟ يجيب «نحن إلتزمنا كمنظمة تحرير فلسطينية بأن نكون في لبنان تحت سقف القانون. ما يحصل في لبنان شأن لبناني لا فلسطيني، حتى اننا نطالب دائما أن تكون المخيمات ضمن الأمن اللبناني. النضال المسلح الفلسطيني لن يكون إلا ضمن الضفة وغزة لا في لبنان ومن لبنان».
يتكلم خالد عبادي بحكمة ويقول «البارحة إلتقيت مسؤولاً رفيعاً من حماس وسألته عن البيان الذي قرأته مراراً ولم أفهمه. قال لي أنه مقصود بالطلائع الشباب الصغار، مثل الكشافة، أجبته لكن نحن لدينا في المخيمات مفوضية كشافة معترف بها ونعلّم اولادنا على حب فلسطين. سألته ما ضرورة هذا البيان اليوم؟ وذكرته بحساسية الوضع في لبنان وأن اختيار المفردات يجب أن يكون دقيقاً. نحن في المخيمات الفلسطينية إذا قبضنا على سارق نسلمه الى الدولة اللبنانية فما بالكم بقرار سيادي؟» ويستطرد بالقول: هناك من يستعمل ورقة حماس داخلياً من اجل إحداث المناكفات بين اللبنانيين أما نحن فلدينا هم ما بيلتم ويكفينا ما فينا. قرار السلطة الفلسطينية واضح في الشأن اللبناني ونحن سبق واعترفنا بما اقترفناه من أخطاء ولن نقبل بوجود أراض (مناطق نفوذ) فلسطينية في لبنان».
ما رأته السلطة الفلسطينية في بيان حماس أنه بلا روح. فحماس ليست فلسطين. والقرار الفلسطيني في لبنان واضح: ندمنا على فتح لاند ونرفض حماس لاند.