كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يتقدّم الملف الأمني على ما عداه من ملفات، وإذا كانت «الفتنة» أطلّت برأسها بإعلان حركة «حماس» تشكيل «طلائع طوفان الأقصى» واعتبار لبنان أرض جهاد لإستعادة فلسطين، إلا أنّ سرعة التحرّك الداخلي، والموقف السنّي العام الرافض مثل هذه المظاهر الميلشياوية، إضافةً إلى غياب الدعم العربي، كلها عوامل أثّرت في إندفاعة «حماس»، ما فرض عليها التريث في قرارها، والمسارعة إلى توضيح خطوتها بأنها ليست عسكرية.
الدول العربية جميعها متضامنة مع غزة والقضية الفلسطينية، لكن التضامن شيء واستغلال محور «الممانعة» الحرب من أجل زعزعة إستقرار الدول العربية وتوسيع النفوذ شيء آخر، فالتركيز العربي منصبّ على وقف آلة القتل والتدمير الإسرائيلية وإنقاذ أهل غزة.
لـ 4 دول عربية حدود مع فلسطين، وهي لبنان وسوريا والأردن ومصر، لكن التدقيق في الخريطة السياسية والمواقف، يظهر أنّ «حزب الله» يجرّ لبنان إلى مواجهة غير مدروسة. بينما النظام السوري لم يتجرّأ حتى الساعة على فتح جبهة الجولان رغم إحتلال إسرائيل جزءاً منه وانتمائه إلى محور «الممانعة»، وكأنه مكتوب على لبنان دفع ثمن الحرب وحده. ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع حرب غزة وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وجه إسرائيل وأفشل مخطّط تهجير أهل غزة إلى سيناء، بينما تعمل الأردن على محاولة لجم أي توتّر ووقف الحرب المدمرة على غزة ومساعدة الفلسطينيين.
وفي السياق، تُبدي مصادر ديبلوماسية عربية عبر «نداء الوطن» تخوّفها مما يُرسم للبنان. فمن جهة، هناك خطر إندلاع حرب على أرض جنوبه، وتمدّد حرب غزة، ومن جهة ثانية، يُخشى أن تؤدّي الدعوات إلى التسلّح العشوائي، إلى اشتباكات داخلية. وتُحذّر المصادر من التمادي في ضرب بنيان الدولة اللبنانية، فطريق المقاومة لا تمرّ بإسقاط الدولة واستهداف السيادة اللبنانية وضرب المؤسسة العسكرية، والموقف العربي سواء المصري أو السعودي أو القطري واضح وحازم وثابت في الحفاظ على إستقرار المؤسسة العسكرية ودعم التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون وإمرار المرحلة. وفي هذا الإطار، تلفت المصادر إلى قيام عدد من الدول العربية باتصالات خارجية من أجل حماية أمن لبنان واستقراره وعدم السماح بتمدّد نار الحرب إليه، فالحرب قد تفتح باب جهنم وتؤدّي إلى تدمير البلد.
وتتخوّف المصادر من أن يؤدي إطلاق «حماس» طلائعها، إلى إثارة توترات داخلية، خصوصاً بين اللبنانيين الذين يرفضون تكرار تجربة العمل الفدائي الفلسطيني، كما بين الفلسطينيين الذين قد ينجرّون إلى حرب داخلية نتيجة الحماسة الزائدة، أو قد تلجأ جهات معروفة إلى استعمالهم لقلب التوازنات الداخلية. وأمام كل هذه المخاوف العربية تدعو المصادر القادة اللبنانيين إلى تقدير خطورة المرحلة والعمل لتجنيب لبنان الحرب والفتن الداخلية.
ومن جهة ثانية، إنّ الدعم العربي هو للقضية الفلسطينية، والوقت الآن ليس للدخول في الزواريب، فكل عمل يؤدّي إلى زرع الشقاق داخل الجسم الفلسطيني والعربي مرفوض، لأنّ الأساس هو توحيد الموقف الفلسطيني والعربي لنصرة غزة والقضية الفلسطينية. ولن يتوقّف الحراك العربي على البيانات، بل يشمل خطوات على الأرض تبدأ بدعم لبنان بتأمين إستقرار المؤسسة العسكرية والبحث عن حلول سياسية عبر اللجنة الخماسية والإتصالات العربية والدولية.
وأمام كل هذه الأخطار، تُسارع الدول العربية إلى دعم لبنان والتحذير من الخطر الذي قد يأتي، والأهم بالنسبة الى دول الإعتدال العربي هو الوحدة الداخلية وإتخاذ الدولة اللبنانية مواقف تؤكّد وجودها وحماية سيادتها وعدم الدخول في صراعات داخلية وإستغلال أطراف معروفة مآسي غزة لقلب التوازنات الداخلية، وبالتالي تتابع الدول العربية الوضع عن كثب سواء داخل اللجنة الخماسية أو في الإجتماعات العربية المفتوحة التي تلاحق الوضع اللبناني والعربي.