كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
يفترض أن يحمل الوفد الدبلوماسي المخابراتي الفرنسي الذي زار إسرائيل خلال اليومين الماضيين للمرة الثانية، أجوبة من الحكومة الإسرائيلية حول السعي الفرنسي لإبعاد كأس الحرب عن لبنان عبر تطبيق القرار الدولي الرقم 1701.
زيارة مدير جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي برنار إيمييه البعيدة عن الأضواء مطلع الأسبوع إلى بيروت تمت من أجل نقل رسالة تحذير من إسرائيل، استناداً إلى ما سمعه فيها نهاية الأسبوع الماضي من نية لدى قادتها لتوجيه ضربة لـ»حزب الله» ولبنان، بحجة ضمان أمن مستوطني شمال إسرائيل الذين هُجّروا من منازلهم ويشترطون كي يعودوا إليها، أن يتولى الجيش الإسرائيلي إبعاد «الحزب» عن الحدود، لخشيتهم من تنفيذه اقتحامات مثلما فعلت «حماس» في مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول الماضي. إرضاء هؤلاء يدفع بنيامين نتانياهو إلى التلويح بتحويل بيروت والجنوب إلى غزة وخان يونس.
كان من الطبيعي أن يكرر المسؤولون اللبنانيون الرسميون والسياسيون والأمنيون، الذين التقاهم إيمييه، التزامهم تنفيذ القرار الدولي 1701. وكان طبيعياً أيضاً أن يُنقل عن أوساط «حزب الله» ما ردده العديد من المسؤولين بأن إسرائيل هي التي تخرق القرار الدولي، وأنّ «الحزب» أبلغ إيمييه بهذا الموقف. لكن جواب «الحزب» يبقى ناقصاً لأنّ الغرض الفعلي لقيادته من وراء توجيه نيرانه عبر الحدود لاستهداف الجيش الإسرائيلي والتي تظهر في بياناته العسكرية اليومية، هو «دعم شعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناد لمقاومته الباسلة والشريفة»… وهذا يعني أنّ وقف عملياته من لبنان، ووقف الظهور المسلح جنوب نهر الليطاني، يتوقفان على تصعيد الجيش الإسرائيلي حربه ضد القطاع، وعلى استهداف إسرائيل للمدنيين في جنوب غزة وشمالها، ما يطرح السؤال حول ما إذا كانت الدعوات لتنفيذ القرار الدولي الخاص بجنوب لبنان لإبعاد «حزب الله» إلى شمال مجرى الليطاني قابلة للتنفيذ في ظل استمرار توجيه آلة الحرب الإسرائيلية الهائلة ضد الغزاويين.
قيادة «الحزب» جددت إبلاغها أكثر من جهة، آخرها الرئيس السابق لـ»الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أول من أمس بأنه لا يريد توسيع دائرة الحرب، وأنّ موقفه وتوجهه في الجنوب مبدئيان يقضيان بعدم ترك إسرائيل تستفرد بالفلسطينيين في غزة وترتكب في حقهم الإبادة الجماعية. تحذير جنبلاط من انزلاق «الحزب» إلى الحرب مع إسرائيل سبق التحذيرات الدولية، وهو قدّم النصائح بذلك إلى قيادته منذ بداية الحملة العسكرية الإسرائيلية، منبّهاً من حالة الجنون في الحكومة الإسرائيلية ومن سعي بعض أركانها إلى الإفادة من التأييد والدعم الأميركيين من أجل توسيع الحرب واستهداف لبنان و»الحزب».
لكن الأخير شدد على أنه يتحرك عسكرياً تحت سقف التزام قواعد الاشتباك تفادياً لفتح الجبهة الجنوبية، ويتجنب استهداف المدنيين في شمال إسرائيل، خلافاً لما يقوم به الجيش الإسرائيلي، باستهدافه السكان والصحافيين في الجانب اللبناني. كل ذلك يشي بأن وقف التوتر جنوباً مرهون بوقف الحملة العسكرية ضد غزة.
سبق لباريس وواشنطن والأمم المتحدة وغيرها أن طرحت تنفيذ الـ1701 بالكامل، بحيث يعود الوضع الميداني إلى ما قبل 8 تشرين الأول، أي وقف وقف الأعمال العدائية على جانبي الحدود، لتعود المنطقة الممتدة من مجرى نهر الليطاني إلى الحدود منطقة يحظر وجود السلاح والمسلحين فيها، فإنّ من رافقوا إيمييه من الدبلوماسيين، عادوا إلى تل أبيب لينقلوا الجواب اللبناني، على أن يعود الوفد الفرنسي إلى لبنان في الساعات المقبلة، لنقل أجواء المسؤولين في تل أبيب. فالجانب الفرنسي يأمل أن يضاف إلى وقف الأعمال العدائية التوصل إلى وقف إطلاق النار، الذي لم ينفذ منذ العام 2006.
الجهود الدولية القائمة منذ مدة من أجل تفادي فتح جبهة لبنان لم تتوقف لكنها تحتاج إلى توضيح آلياتها إذا أريد لها أن تنجح. وإذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بدا أول من أمس أنه يتريث في شن الحرب على لبنان بقوله «إذا لم تنجح التسوية السياسية الدولية والأممية، فإنّ إسرائيل ستتحرك عسكرياً لإبعاد حزب الله عن الحدود»، فإنّ قادة الدولة العبرية ينتظرون إحداث تقدم في قطاع غزة قبل التورط في جبهة لبنان، فضلاً عن أنهم يأخذون في الاعتبار الرفض الأميركي لتوسيع الحرب، كما بات معروفاً.
في انتظار ما تحمله عودة الوفد الفرنسي من إسرائيل اليوم على الأرجح، فإنّ قنوات البحث حول صيغة ما لتنفيذ القرار الدولي تشمل إلى باريس والأمم المتحدة، مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الوسيط آموس وهوكشتاين، الذي لا تستبعد مصادر سياسية لبنانية أن يعود إلى التحرك مجدداً للحؤول دون انفلات جبهة الجنوب، تحت عنوان العمل على ترسيم الحدود البرية.