كتبن يولا الهاشم في “المركزية”:
ثلاثة صواريخ على الأقلّ استهدفت فجر اليوم السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء في بغداد وسقطت في محيط هذا الحيّ المحصّن الذي يضمّ سفارات أجنبية ومؤسسات حكومية عراقية. الهجوم هو الأوّل على السفارة الأميركية في بغداد منذ بدأت فصائل متحالفة مع إيران منتصف تشرين الأول شنّ هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ ضدّ القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا.
وتبرّر الفصائل هجماتها بأنها “ردّ على الجرائم التي يرتكبها العدو بحق أهلنا في غزة”. فإلى أي مدى يمكن أن ينخرط العراق في حرب غزة؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” أن “ما يحصل في العراق لا يمكن فصله عما يجري في لبنان وسوريا واليمن، وهي اذرع ايرانية ورسائل في مواجهة غير مباشرة مع الاميركيين، خاصة بعد رفع الايرانيين شعار توحيد الساحات والمقاومات. فبعد حرب غزة، تبيّن أن لا توحيد للساحات، بل أن ايران أعطت الساحات نوعا من الاستقلالية الذاتية في الكلام، وان لكل مقاومة الحرية الكاملة في التصرف دون الرجوع إلى طهران، وهو ما حاولت تبريره من خلال الإعلان عن عدم معرفتها مسبقاً بما خططت له حركة “حماس”، وهذا ما سوّقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عندما قال بأن حزب الله لا يأتمر بأوامر من الخارج”.
ويضيف: “هذه الساحات مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري وتُرسل رسائل للأميركيين، تحاول ان تهدد وجودهم باعتبار ان هذه المناطق أوراق بيد ايران. لكن الولايات المتحدة عملت منذ السابع منتشرين الاول على فصل هذه الساحات عن غزة، وأعطت الضوء الأخضر لاسرائيل وأطلقت يدها في غزة، مع الحرص على عدم إحداث فوضى في المنطقة تؤدي الى تطور أعمق، من خلال إعلانها أنها لم تلاحظ دلائل على انخراط ايران في عملية “طوفان الأقصى”، فقدّمت بذلك مخرجا مشرّفاً لطهران التي غسلت يديها من العملية. في المقابل أوصلت ايران رسائل بأنها تريد ان تكون جزءا من التسوية ما بعد غزة، ولذلك وضعت جبهة لبنان كجبهة مساندة، وجبهة الحوثيين والفصائل في العراق كنوع من الابتزاز. وكان النظام السوري الوحيد الذي حيّد نفسه عن هذه العملية”.
ويشير العزي إلى ان “حزب الله” ربط لبنان بغزة بهدف تعديل الـ1701 وقوننة وشرعنة وجوده في هذه المنطقة التي خرج منها عام 2006، وبالتالي، تقرّ كل الدول المنخرطة في الصراع بهذا الوجود. أما الحوثيون فيسعون من خلال تعطيل الملاحة إلى توجيه رسالة للأميركيين مفادها بأنكم ابعدتمونا عن الاتفاقات المائية رغم رغبتنا في ان نكون شركاء فيها، فقاموا بإطلاق صواريخ كنوع من الرسائل لكنها لم تصل الى اسرائيل بل الى سيناء. لو أراد الحوثيون مساعدة غزة لكان الأجدى بهم إطلاق هذه الصواريخ على القاعدة الاسرائيلية في اريتريا التي تبعد 25 كلم فقط عن اليمن. لذلك، الصواريخ – الرسائل موجهة ضد السعودية والامارات”.
ويتابع: أما بالنسبة للعراق، فإن ايران وقعت على اتفاق بحضور قاسم سليماني يشرعن الوجود الاميركي في العراق، والخلاف اليوم يدور حول كيفية تحسين وتشريع قوانين الحشد الشعبي، وبالتالي كانت الولايات المتحدة تطلب دوماً من العراق ضبط هذه الأعمال وتطلب اسماء القوى المشاركة في إطلاق الصورايخ، وايران تستغل الأمر بأسماء وهمية جديدة أٌنتِجت بعد السابع من تشرين لمناكفة الولايات المتحدة دون جزّ الاسماء الكبرى التي كانت معروفة لدى الاميركيين والايرانيين والعراقيين. وكانت الحكومة العراقية تتنصل، لأنها حكومة ايرانية واقعة تحت الضغط الايراني. الاسماء الكبيرة لقادة الاحزاب الايرانية المعارضة تخاف المواجهة لأنها لا تريد أن تكرر تجربة اغتيال سليماني وابو مهدي المهندس، هي تعمل على قاعدة تسديد فواتير للحكومة العراقية من خلال إطلاق هذه الصورايخ من قبل فصائل غير منضبطة واسماء وهمية. لذلك شاهدنا ردة فعل واشنطن عندما قالت “كفى” ووجهت ضربات في بغداد واغتالت بعض القيادات من الحشد الشعبي المتهمين بهذه الهجمات، كنوع من التنبيه للحكومة العراقية بأنها إذا لم تلاحق هؤلاء فإن واشنطن ستتصرّف”، معتبراً أن “الهجمات في العراق لم تؤدِ الى مقتل جنود اميركيين وكأن القواعد التي فُرضِت هي للإثارة وليس للأذية، لأن الاذية ستؤدي الى ردود فعل انتقامية اميركية موجعة، وقد عاينا الرد الاميركي على الفصائل في سوريا التي تعرضت للقواعد الأميركية”.
ويرى العزي أن “تحرك حاملة الطائرات ايزنهاور الى مضيق باب المندب دليل على مواجهة فعلية مع ايران واتهام الادارة الاميركية بشكل مباشر للأذرع وتحديداً الحوثية. فواشنطن لا تريد المواجهة مع طهران لأنها تعرف انها المسؤولة عن هذه الامدادات وبالتالي الحماية يجب ان تُفرض من قبل الدولة الاميركية، وثانياً الادارة الاميركية تخلصت من كل موروث قد يضعها امام احتمال توقيع اتفاق نووي جديد مع ايران. بهذه الطريقة تؤكد الولايات المتحدة أنها مستعدة للمواجهة لكن غير المباشرة، وتوجه أصابع الاتهام لايران بانها وراء هذا العمل، خاصة وان العملية التفاوضية مع الادارة الحالية انتهت بانتظار الادارة الجديدة التي سيكون وضعها مختلفا وشروطها مختلفة”.
ويضيف: “من هنا التهدئة مرحليا بانتظار الانتهاء من غزة وعدم جر ايران الى مواجهة وتوسيع البيكار ومنع التطرف الاسرائيلي للدخول في مواجهة مع ايران وبالتالي عدم الذهاب الى الفوضى. بعد الانتهاء من غزة سيكون التعامل مع الأذرع مختلفا من منطقة إلى أخرى، وهنا شاهدنا موقف ايران الدبلوماسي الهادئ الذي بات ينظر الى مصالح ايران الخاصة على أنها أعلى من مصالح الذرائع وادخالها في حروب، لأن ايران لن تستطيع من خلال هذه الأذرع سوى ارسال رسائل قد تستجيب لها الولايات المتحدة في مكان ما وقد لا تستجيب في مكان آخر”.
ويختم العزي: “اذاً العملية محدودة في العراق لسببين، الاول أن الوجود الاميركي مقونن ولا تستطيع ايران التلاعب به خاصة وأنها كانت شاهدا ملكا على هذه الاتفاقية، ثانياً لأن التواجد الاميركي مرتبط بالوجود الايراني الحشدي الذي يدين بوجوده للولايات المتحدة التي جاءت به على الدبابات الاميركية وسلمته السلطة. لذلك هذه الحشود تريد ان تكون صلة او رسائل موجهة للولايات المتحدة لتحسين ظروفها اولا وتقوية العامل الايراني في عملية التسوية اللاحقة ثانياً”.