كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في الثالث عشر من الجاري سيعقد مؤتمر حول قضية النازحين في جنيف، يحضره سياسيون وديبلوماسيون من أنحاء مختلفة من العالم ومنظمات تعنى بشؤون اللاجئين، للعمل على أربعة أهداف رئيسية، هي: تخفيف الضغوط عن البلدان المضيفة، تعزيز اعتماد اللاجئين على أنفسهم، توسيع نطاق الوصول إلى حلول البلدان الثالثة، ودعم الظروف في بلدان الأصل من أجل العودة بأمان وكرامة.
سيتمثل لبنان المشارك في المؤتمر بوفد يرأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، وقد أعدّ ورقة عمل تعرض واقع النازحين بالأرقام والوقائع وتسلّط الضوء على الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يرزح تحتها هذا البلد الذي يستقبل أكبر نسبة من النازحين السوريين في العالم. وسيكرّر لبنان الذي تسلّم «داتا» النازحين من المفوضية العليا لشؤون النازحين، مطالبته بالعمل على إعادتهم إلى بلادهم، خصوصاً أنّ مناطق عدة في سوريا صارت آمنة وفي إمكان أهلها العودة اليها. وسيعرض بالأرقام والوقائع ما تكشفه «داتا» المعلومات من تراكم أعباء النازحين وتوسّع رقعتها.
أبعد من قضية بلد هرب أهله من الحرب، صار موضوع النزوح هماً ينذر تفاقمه بالأسوأ في ظل اهتمام العالم بحرب غزة وقبلها أوكرانيا. ولدى المسؤولين عن الملف ومتابعيه مؤشرات تؤكد وجود نيات غربية لإبقائهم في لبنان مع تقديم اغراءات للبلد المضيف، ونصائح بأن يحسن لبنان التأقلم معهم ما دام وجودهم أمراً واقعاً لن يستطيع تجاوزه. تكشف مصادر وزارية أنّ مسؤولين من الأمم المتحدة في سوريا اعترفوا بأنها باتت مكاناً آمناً يمكن لسكانها العودة اليها، ويعاد إعمار المناطق التي هدمت، وهذا يتطلب تضافر جهود دولية لم تتوافر بعد. أي أنّ الحرب لم تعد سبباً للنازحين للبقاء خارج بلادهم، بل هي المساعدات التي يتلقونها، والتي ستمنع عنهم اذا ما عادوا إلى بلدهم الأم.
بات بحكم المؤكد وجود دول تعمل على تثبيت النازحين السوريين في لبنان، وتقف فرنسا في صدارة هؤلاء تليها ألمانيا. ولا تخفي فرنسا رغبتها في تقديم حوافز للنازحين لتعزيز وجودهم في لبنان، ورفضت كغيرها من دول الغرب اقتراحاً تقدم به لبنان إلى المفوضية العليا للاجئين بمنح المساعدة للنازحين في بلدهم لحضهم على العودة بعدما ضاقت بهم أرض لبنان، وصار وجودهم عبئاً ثقيلاً يفوق قدرة لبنان على تحمّله.
مع كل مسعى يعود لبنان خائباً نتيجة الضغوط التي تمارس وتعرقل أي مسعى لعودة النازحين إلى ديارهم. أما على مستوى التواصل مع سوريا وزيارة بو حبيب الأخيرة التي خصّصت للبحث في امكانية التنسيق في ما خصّ عودتهم، فإنّ البحث لم يشهد أي مستجد يُبنى عليه، وقد تمّ الاتفاق على مواصلة التنسيق، لكن سوريا المستعدة أن تستقبل أبناءها يصعب عليها إعادة إعمار مناطقهم المدمرة، وهي كانت تنتظر جهود اللجنة العربية للنازحين التي اكتفت بسبب الظروف بعقد اجتماعين ليتوقف البحث في إعادة النازحين إلى سوريا. فالعودة هي جزء من خطة إعمار سوريا التي لم يتفق في شأنها بعد عربياً ودولياً. لا تمنع سوريا هجرة أبنائها هرباً من الوضع الاقتصادي المتردي، وكيف يعود من تمنحه مفوضية اللاجئين المساعدة شرط بقائه خارج سوريا؟
خلال زيارته سوريا تبلّغ الوزير بو حبيب من المسؤولين أن لا عوائق أمام عودتهم، ولكن نظيره السوري فيصل المقداد، قال له: كيف للدولة أن تجبرهم على العودة في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم؟ إنّ القوة الشرائية لمبلغ المئة دولار في لبنان تساوي 25 دولاراً في سوريا». فهم لبنان الرسالة وصوّب نحو الخارج ليلمس في لقاءاته الأوروبيين أنّ الموضوع لا يشكّل صدارة اهتمامهم، وأنّ دول أوروبا التي تتخوف من هجرتهم اليها تقفل أبواب العودة في وجههم. وخلف الكواليس هناك مساعٍ تبذل لمنع قوارب المهاجرين اليها.
أمّا لبنان فسيكمل من جنيف التنبيه من أنّ بقاء سوريا على وضعها الراهن سيكون له تأثيره السلبي على دول الجوار أي لبنان والاردن وحتى اسرائيل التي تهمهم، وستتضاعف الهجرة السورية إلى أوروبا بسبب الضعف الاقتصادي في لبنان والأردن وسوريا. وسيعاود المطالبة بالمعالجة السريعة وهو مدرك أنه يتحدث في زمن غير زمانه، وبملف لم يعد موضع اهتمام الدول بينما تكبر الحساسيات بين المواطنين اللبنانيين والنازحين، ولا سيما في ضوء الوضع الراهن جنوباً.