كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
ارتفعتْ وتيرةُ المواجهات على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لتتطاير من قلب غبارها علاماتُ خطرٍ أشدّ حيال ما ينتظر هذه الجبهة في أسابيع مفصلية من عمرِ حرب غزة التي دخلتْ شهرَها الثالث من دون أي أفق، عسكري أو سياسي، يؤشر لإمكان انتهائها قبل رأس السنة، ما دام هدف تل أبيب المعلَن «قطْع رأس» حركة «حماس» لضمان عدم تكرار «كابوس» 7 تشرين الاول.
وبات جلياً أن جنوب لبنان سيكون في الفترة المقبلة نقطة تسخينٍ موازية لمحوريْن ستبقى الأنظار عليهما: الأول تشكّله «الجبهة الأم» أي غزة بشمالها وجنوبها حيث تتمدّد «بقعة الدم» الفلسطيني من خلف ظهْر ضغوط دولية بلا جدوى لإنهاء الحرب واعتبرتْها تل أبيب مُناقضة لهدف «القضاء على حماس». والثاني البحر الأحمر الذي يُنْذِر بأن يتحوّل مسرح عمليات ساخنة في ضوء تهديدات الحوثيين بمنع مرور السفن المتجهة الى الموانئ الإسرائيلية من أي جنسيةٍ، وتلميح إسرائيل رداً على هذا الإعلان بأنها «قد تأخذ الأمور بيدها ما لم تفعل واشنطن ذلك».
وفي موازاة إبداء إسرائيل حرصاً على عدم تقييد نفسها بأي «جدول زمني» لوقف الحرب، أقله في جولتها الدموية والتدميرية الأكثر توحشاً، مع إعطائها إشاراتٍ إلى أن «المرحلة شديدة الكثافة من الحرب قد تستمرّ لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع أخرى»، فإن تَرابُطاً بدأ يتعزّز بين مآلات الميدان الغزاوي وبين اتجاهات الريح على جبهة جنوب لبنان التي تصرّ تل أبيب على أنها باتت «متلازمةً» – في بُعدها المتّصل بِما بعد «إنهاء المَهمة» في غزة – مع أي ترتيباتٍ أمنية لا بد أن تشمل، من وجهة نظرها، وضعيةَ «حزب الله» على حدودها الشمالية، رافعةً في هذا السياق عنوان تفعيل القرار 1701 وتنفيذه بحذافيره على قاعدة إبعاد الحزب وقوة النخبة فيه (الرضوان) عن جنوب الليطاني.
وتوقفت أوساطٌ عليمةٌ عبر «الراي» عند التصعيدَ غير المسبوق الذي شهدته الجبهة الجنوبية في اليومين الماضييْن ولاسيما أمس والذي انطبع بثلاثة أمور:
– الأول غارات عنيفة جداً على أكثر من بلدة حدودية بينها يارون التي اسُتهدفت بأربع غارات في نفس الوقت قبل أن تُستهدف من الجو مجدداً أقله مرتين، إضافة إلى 3 غاراتٍ على أطراف مارون الراس، قبل أن تتعرض عيترون لغارات شنتّها المقاتلات الحربية وتسببت بتدمير حي كامل «حيث سويت العديد من المنازل الآمنة بالأرض، وتضرر عدد كبير آخَر» كما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية» التي كانت أشارت أيضاً إلى «أن العدوان بصاروخ جو – أرض طاول أحد المنازل في البلدة، وأفيد أن طواقم الإسعاف توجهت إلى المكان».
– والثاني «غزوة جوية» دخانية لكل الأجواء اللبنانية من الطيران الحربي الإسرائيلي الذي لم يوفّر رقعةً من سماء «بلاد الأرز» إلا وحلّق فيها من الجنوب الى الشمال وصولاً إلى بيروت.
– والثالث رفْع «حزب الله» مستوى عملياته حيث عاود أمس استخدام المسيّرات الانتحارية ضدّ «مقر قيادة مستحدث لجيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع الغربي جنوب ثكنة يعرا (في عمق نحو 2 كيلومتر) فأصابت أهدافها بدقة وأوقعت عدداً من الإصابات في صفوف جنوده»، بعدما كان ستهدف موقع جل العلام وبعد الظهر «موقعي زبدين ورويسات العلم في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة بصواريخ بركان وتمّت إصابتهما إصابة مباشرة».
وعصراً أعلن الحزب استهداف «تجمع لجنود الجيش الإسرائيلي بين موقعي زبدين والرمثا في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة المناسبة»، و«تجمع آخر في قلعة هونين (قرية هونين اللبنانية المحتلة)» و«تدمير المجاهدين دشمة في موقع العباد يتحصن فيها جنود الجيش الإسرائيلي وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح»، وقصْف «موقع بركة ريشا بصواريخ بركان وتمّت إصابته إصابة مباشرة».
ولكن الأوساط العليمة نفسها اعتبرت أنه رغم الارتقاء النوعي في المواجهات، إلا أنها مازالت تدور ضمن نطاق جغرافي «مضبوط» وفي نَسَقٍ عسكري «منضبط» إلى حدّ ما، من دون أن تُسْقِط بالكامل احتمالاتِ توسيع إسرائيل الجبهة مع لبنان خارج سياق «المعارك بين حرب غزة» لتصبح حرباً في ذاتها موصولةً بـ «بنك أهداف» تطبيق الـ 1701 وإمكان محاولة فرض ذلك بقوة الأمر الواقع وجرّ الولايات المتحدة لتغطية مثل هذه المغامرة، ما لم تبرز مؤشرات إلى أن هذا سيكون متاحاً بالديبلوماسية التي تَفقد، بحسب تل أبيب، أداة ضغط رئيسيةً ما أن تصمت آلة القتل والدمار في غزة.
وفي تقدير الأوساط نفسها، أن تَجرؤ إسرائيل على فتْح الجبهة مع لبنان سيكون مرتبطاً بـ «ارتياحها» إلى مجريات الميدان في غزة، وهذا ما قد يشجّعها على «ربْطٍ بالنار» بين الجبهتين ولاحقاً بالحلّ، معتبرةً أن الوقائع الراهنة العسكرية لا تتيح لإسرائيل الاطمئنانَ إلى أنها «باتت بأمانٍ» في المواجهة مع «حماس»، ناهيك عن أن «الخطر الحوثي» آخِذ في التعاظم ما سيجعله «أولوية ملحّة» في الفترة المقبلة، إلى جانب الإحراج الذي يكبر للولايات المتحدة في العراق وفق ما عبّر عنه استهداف السفارة الأميركية في بغداد والتردّد في مقارعة «هذا التحدي» الذي يتمادى.
واستوقف هذه الأوساط في دينامية المواجهات على جبهة جنوب لبنان، أن إسرائيل وبعد تكرار قصفها لمراكز للجيش اللبناني، عمدت الجمعة الى استهداف موقع لقوة «اليونيفيل» – الكتيبة الإسبانية قرب منطقة ابل- القمح خلف مستعمرة المطلة، من قبل دبابة «ميركافا» من دون تسجيل أي إصابات في صفوف عناصر المركز.
وقال المتحدث الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تينيننتي: «التقارير الأولية تشير إلى أن أحد أبراج المراقبة في المركز الإسباني التابع لقوات الطوارئ الدولية، المقابلة لبلدة الوزاني في القطاع الشرقي من جنوب لبنان تعرض لقصف دون وقوع إصابات، معلناً أن قواته (تتحقق من الأمر)».
وفي رأي الأوساط عيْنها أن استهداف«الذراعين التنفيذيتين»للـ (1701)، أي الجيش اللبناني و«اليونيفيل»لا يمكن فصْله عن الضغط المتدحرج الذي تمارسه إسرائيل سواء لتعديل هذا القرار ومنْحه أنياب الفصل السابع أو لتنفيذ خصوصاً الشقّ المتعلق بجعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح والمسلّحين، هي التي عبّرت سابقاً أكثر من مرة عن عدم رضى على أداء«اليونيفيل»داعيةً اياها«للتصرف بحزم ضمن ولايتها»بالتوازي مع مطالباتها المتكررة، قبل كل تجديد للقوة الدولية في مجلس الأمن، بمنح الأخيرة حقاً صريحاً بحرية التنقل و«واجب الإبلاغ في الوقت المناسب عن انتهاكات حزب الله وتحركاته».