كتب صلاح سلام في “اللواء”:
لا يجوز أن يتحوّل قرار تأجيل تسريح قائد الجيش إلى ما يشبه كرة نار، تتقاذفها الأطراف السياسية بين المؤسسات الدستورية، وكأن كل مسؤول يحاول أن يتهرب من تحمّل مسؤولية هذه الخطوة، التي تعتبر أكثر من ضرورية، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، على إيقاع التهديدات الإسرائيلية اليومية.
المسألة تتجاوز الخلافات السياسية التقليدية، والتنافسات الأنانية والشخصية بين القيادات الحزبية، إلى ما يتعلق بقضايا الأمن والإستقرار في البلد، الذي يعيش حالة حرب غير معلنة مع عدو غادر، ويتربص بالدولة المنهكة، لتعويض خسائره الفادحة في غزة، وتغطية الفشل الذريع لنتانياهو وفريقه الحكومي المتطرف في تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب الإجرامية على القطاع المنكوب.
المشكلة تكمن في أن فريق سياسي معين، هو التيار الوطني الحر، يُعارض بقاء العماد جوزاف عون في اليرزة، الذي تم تعيينه في مطلع عهد الرئيس ميشال عون، وبتأييد من رئيس التيار نفسه النائب جبران باسيل. ولكن مشكلة القائد المعين حديثاً، أنه تصدّى باكراً لمحاولات التدخل بشؤون المؤسسة العسكرية، ولم يتجاوب في تلبية طلبات أهل السلطة في الترقيات والمناقلات، حتى التي كانت تأتي من قبل رئيس الجمهورية، أو من رئيس التيار التيار العوني.
وزادت العلاقة سوءًا بين بعبدا واليرزة إبان ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩، حيث حرصت القيادة العسكرية على عدم الإصطدام بالجماهير الغاضبة، ولكنها قامت بحفظ النظام العام، وفتح الطرقات التي كان المعتصمون يقفلونها، وإعتمدت لغة الحوار مع الجموع التي نزلت إلى الساحات والشوارع. في حين كانت التعليمات الرئاسية تقضي بقمع الشباب المنتفض ضد فساد السلطة ورموزها، والمطالب بإستقالة رئيس الجمهورية، وتغيير المنظومة السياسية.
كما حافظت القيادة العسكرية على حسن العلاقة مع مختلف الجهات السياسية والمراجع الروحية. وحظي القائد بإحترام اللبنانيين تقديراً لوطنيته، ولما أظهره من حكمة وحصافة في التعاطي مع الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، وإنعكاساتها السلبية على المؤسسة العسكرية، خاصة بعد الإنهيار المالي، وعجز الدولة عن تأمين إحتياجات الجيش، فكان أن عمل على تأمين المساعدات الضرورية للمؤسسة العسكرية من الأشقاء في قطر، إلى جانب تعزيز الدعم المقدم من الولايات المتحدة، في مختلف العهود السابقة.
الجيش يكاد يكون المؤسسة الوطنية الوحيدة التي يلتف حولها اللبنانيون، على إختلاف طوائفهم، وفي مختلف مناطقهم، وهو خط الدفاع الأخير ليس عن الأمن والإستقرار في البلد، بل هو، مع الأجهزة الأمنية الأخرى، الرمز الوحيد لما تبقَّى من وجود الدولة. كفى تلاعباً بمكانة ومقدرات الحصن الأخير للوطن.