جاء في جريدة نداء الوطن:
انتصرت المعارضة بكل أطيافها في معركة تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، ومُني فريق الممانعة بكل تلاوينه بهزيمة موصوفة. وفي التفصيل، يمكن القول إنّ بكركي وحزب «القوات اللبنانية» هما في صدارة المنتصرين، وفي المقابل، تقدّم «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» المهزومين. أما النتيجة الشاملة، فكانت تجنيب لبنان خطر السقوط الكامل للمؤسسات في يد الممانعين الذين أخذوا لبنان الى مشارف حرب مدمّرة في الجنوب، مع إمعان في رفض ملء الفراغ الرئاسي منذ أكثر من عام إذا لم يكن على قياس مشروعهم المرتبط بإيران. وكاد الممانعون أن يُلحقوا الجيش، آخر معاقل السيادة، بالمشروع الإيراني، لولا الانتصار الكبير للمعارضة.
كان يوم أمس إستثنائياً بامتياز. بدأ بفصل وزاري كانت خاتمته سقوط محاولة إمرار بند من خارج جدول أعمال الجلسة الوزارية التي دعا اليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وهذا البند لو قيّض له أن يبصر النور، كان يقضي بـ»تأجيل تسريح» العماد عون 6 أشهر في ظروف محاطة بالشكوك القانونية والسياسية. لكن، هذا البند «طار» بسبب فقدان نصاب الجلسة نتيجة التحرك المطلبي للعسكريين المتقاعدين وخفايا أخرى أبرزها اتصالت دبلوماسية وتحذيرات صارمة من التلاعب بالجيش. وقد أعادت صور وصول بعض الوزراء على دراجة نارية أو سيراً على الأقدام الى السراي، مشهداً مماثلاً ألفه اللبنانيون أبّان ثورة 17 تشرين الأول عام 2019 .
ومن مشهد السراي الذي كانت خاتمته خائبة، الى مشهد ساحة النجمة الذي شهد مفاجأة هي في الواقع هدية العام للبنان. فكان أن فاز مشروع التمديد لقائد الجيش سنة كاملة بدءاً بمطلع السنة المقبلة بموافقة الأكثرية المطلقة من النواب. كما نال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان تمديداً مماثلاً (وكان يواجه في الحكومة اعتراض وزير الداخلية بسام مولوي على بقائه على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي ). وهكذا نال قادة الأجهزة الأمنية الذين برتبة عماد أو لواء تمديداً لسنة .
وفي متابعة «نداء الوطن» وقائع التصويت في الجلسة على اقتراح قانون التمديد، تبيّن أنّ الرئيس بري اكتفى عند طرح الاقتراح على التصويت، بالإعلان أنّه «صُدّق»، من دون أن يطلب تعداد المؤيدين والرافضين. وكان عدد الحضور في القاعة عند طرح الاقتراح 66 نائباً. وبادر النائب جهاد الصمد الذي كان مشاركاً في الجلسة الى إعلان تحفّظه علناً عن الاقتراح. أما نائب رئيس المجلس الياس بو صعب فأعلن بعد خروجه من الجلسة أنه لم يصوّت على اقتراح القانون، وهكذا بقي هناك 64 نائباً أجمعوا على تأييده. وفي قراءة أوساط نيابية شاركت في الجلسة، أنّ 64 صوتاً يمثلون معطى له دلالاته في ملف رئاسة الجمهورية الذي صار تالياً بعد تجاوز لبنان «قطوعاً» على حدّ وصف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
وفي سياق متصل، عبّرت بكركي عن ارتياحها للتمديد لقائد الجيش، وقالت مصادرها إنّ ما حصل هو «خطوة مهمة لتأمين استمرار هيكل الدولة، ويشكّل انتصاراً للوطن وللأمن القومي». ودعت الى «انسحاب هذه الخطوة على ملف انتخاب الرئيس، فمثلما تحمّل نواب المسؤولية عن عدم إفراغ قيادة المؤسسة العسكرية، يجب على القسم الآخر ملاقاتهم ووقف تعطيل الجلسات وفرط النصاب وانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن».
وقرأت أوساط ديبلوماسية الصورة الواسعة لما جرى أمس، فقالت لـ»نداء الوطن»: «إنّ تلاحق التطورات بدأ بتأجيل جلسة مجلس الوزراء، وتوّج في البرلمان. وهذا ما كان ليحصل لولا المناخ المسيحي العام، ولا سيما بكركي والأحزاب المسيحية، وأيضاً الجو المعارض المهم الذي تقاطع مع المناخ المسيحي فصار وازناً. ومن الأمثلة، الجو السني المؤيد لتمديد ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وجو «اللقاء الديموقرطي»، بالإضافة الى هذه المناخات الثلاثة، الجو المدني الحريص على الاستقرار. ولا يُغفل الجو الدولي الضاغط في هذا الاتجاه والذي وصل حد التلويح بالعقوبات. أمام كل ذلك لم يُرد الرئيس ميقاتي وضع نفسه في مواجهة هذه الأجواء المعارضة، ومثله فعل الرئيس بري». وتؤكد هذه الأوساط «أنّ بري و»حزب الله» لم يريدا مواجهة كل هؤلاء المعارضين، خصوصاً أنّ حسابات «الحزب» عدم الذهاب في المواجهة حتى النهاية ضد المجتمع الدولي والمناخ المسيحي والمناخ السني الذي بدأ يتكوّن، وطبعاً ضد وضعية «اللقاء الديموقراطي». فهل كان «الحزب» ليواجه كل هذه المناخات، لإرضاء جبران باسيل فقط؟».