كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ستشكّل جلسة التمديد الأساس الذي ستنطلق منه المعارضة إلى تزخيم جهودها تحقيقاً لانتخابات رئاسة الجمهورية بدعم وتأييد دوليين، فقد أثنى ديبلوماسي غربي على ما انتهت إليه هذه الجلسة محدداً بأنّ الهدف الثاني هو انتخابات رئاسة الجمهورية. وكما سخّرت كل من أميركا وفرنسا جهودهما لتأمين التمديد لقائد الجيش، كذلك ستكون الخطوات المقبلة حيال رئاسة الجمهورية. وستكون نتيجة التصويت أساساً يبنى عليه رئاسياً لمصلحة جوزاف عون مقابل سليمان فرنجية أو انسحاب الأخير لمصلحة القائد الذي يحظى بتأييد خارجي وداخلي واسع. المأدبة التي جمعتهما بعد جهود ومحاولات حثيثة من أحدهما للقاء الثاني ستشكل فاتحة تنسيق في مواجهة خصم مشترك. فأين سيكون «حزب الله» ساعتئذ؟ ومع من سيتباحث في الشأن الرئاسي وعلاقته بـ»التيار الوطني الحر» قد تعرّضت لانتكاسة جديدة؟ وهل يخضع للضغوط بالرئاسة وتتكرر واقعة التمديد فينتخب عون رئيساً؟
لن تكون علاقة الحليفين بعد الجلسة مشابهة لما قبلها. مني «التيار» بخسارة قد يتحمّل «حزب الله» سببها من وجهة نظر البعض. رفض الاتفاق على المخرج في بداية النقاش على قاعدة وجود متسع من الوقت لتكون النتيجة خروج نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» من القاعة على سبيل التضامن مع «التيار» بينما أمّن حلفاؤه نصاب الجلسة التي انتهت بنكسته سياسياً وعززت حظوظ القائد الرئاسية.
واضح لفريق سياسي وازن أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وضّب بالاتفاق مع قائد الجيش الإخراج المناسب للجلسة، وأنّه لو أراد عقد الجلسة لفعلها، لكن كيف يمرّر تأجيل تسريح في جلسة لم يرد فيها أي بند يتصل بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان؟ أعفى ميقاتي نفسه من المسؤولية وجيّرها إلى مجلس النواب منقلباً على اتفاق استمر العمل عليه أياماً عدة، ولم تتوقف حتى الأولى منتصف ليل الجمعة، نقل خلالها باسيل رسالة من العماد ميشال عون إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله يتمنى فيها عليه قطع الطريق على التمديد مقابل وعد بالبحث جدياً في تأييد ترشيح فرنجية. لكن حسابات ميقاتي وهواجس بري كانت عائقاً.
ينأى «حزب الله» بنفسه عما جرى في الحكومة، وفي مجلس النواب لم يعتبر نفسه معنياً بالطلب من حلفائه الخروج معه من الجلسة. من النواب الحلفاء من خرج وآخرون التزموا الحضور والتصويت وهذا شأنهم. تجنّب الدخول في معركة ضد قائد الجيش الذي لم يخطئ معه في أكثر من محطة كان أهمها حادثة انقلاب الشاحنة في الكحالة التي كان يمكن أن تجرّ البلد إلى حرب أهلية، أمّا محاسبة القيادة العسكرية على علاقتها المتينة بالأميركيين، فالقصة ليست بنت ساعتها وطالما كانت العلاقة بين الطرفين وثيقة. ويعتبر «حزب الله» أنّ مؤسسة الجيش هي أهم مؤسسة ضامنة، ومنذ اللحظة الأولى لم يكن يرغب في الفراغ وإن لم يكن متحمساً للتمديد لقائدها.
تتهم المصادر السياسية ميقاتي بإعداد سيناريو الانقلاب وتحويل عبء التمديد إلى مجلس النواب. هنا ليس معلوماً ما اذا كان أحرج رئيس المجلس أم اتفق معه على الإخراج، وفي الحالتين النتيجة واحدة: صُدّق التمديد وبدل الأشهر الستة التي عارضها باسيل صارت سنة كاملة. هنا تقدمت حسابات القوى المسيحية وبكركي تحديداً على «الثنائي» ولو على حساب الحليف.
فور انتهاء الجلسة، وُضع «حزب الله» في خانة التقصير في حق حليفه، فكان ردّه بأنه كان واضحاً منذ البداية أن لا مانع من التمديد، ليس المطلوب افتعال مشكلة مع القيادة العسكرية وخوض حرب سياسية في الوقت الراهن حيث الأولوية لجبهة الجنوب. يرفض «حزب الله» تحميله المسؤولية عما شهدته جلسة المجلس الأخيرة، لكن هذا لا يلغي انزعاجه من السيناريو الذي طبّق في الحكومة والمجلس معاً. لم يكن سياق الجلسة النيابية مرضياً لـ»حزب الله» المدرك تبعاته، وامكانية استثماره من قبل المعارضة والبناء عليه للمرحلة المقبلة في رئاسة الجمهورية، وكيف سيعيد الأمل للغرب في الاستثمار رئاسياً في المعارضة، ولكن هل يخرج معلناً مكامن ما تلمّسه في الجلسة وما ألحق الضرر به وأخرجه خاسراً ثانياً بعد باسيل.
ستُفتح وقائع الجلسة على عتب متبادل بين «حزب الله» و»التيار» حول السبب والمسبّب. يأخذ «التيار» على «حزب الله» تكرار الفعل ذاته في كل مرة. ضبابية في الموقف حتى يقع المحظور فيراعي خاطر الغير على حسابه، بينما يعتبر «حزب الله» أنّ باسيل خسر وكان بإمكانه ألا يخسر، لو كان وافق على انتخاب سليمان فرنجية ووفر عليهما معاً مشقة الوصول إلى ما آلت اليه الأوضاع. رفض ترشيح فرنجية متذرعاً بغياب البرنامج بينما رضي بطرح اسم اللواء الياس البيسري على جدول المرشحين؟
لا يضع «حزب الله» نفسه في خانة من خلف بوعده «فهو أهل الوفاء»، ولكنّه يرفض خوض معارك مع كل الناس لأجل باسيل. الوضع الحساس ميدانياً في الجنوب يجعله في منأى عن فتح أبواب خلافات سياسية هو في غنى عنها، فكيف إذا كانت مع قيادة المؤسسة العسكرية؟ في إحدى تغريداته كتب باسيل «عم اتفرّج عليهم وابتسم: حدا همّه يغيظني، وحدا بدّو يرضيني. حدا بيعرف أنّه معي حق، بس ما لازم أربح! وحدا بيعرف أنّه ما لازم أخسر، بس ما بيسوى هلقدّ اربح!» فهل ينطبق كل هذا التوصيف على «حدا»، واحد إجتمع في «الثنائي»؟