كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:
أبلغت إسرائيل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ما تريده من «حزب الله». قالت لها إمّا أن يسحب «الحزب» مقاتليه من المنطقة الحدودية طوعاً أو أنها ستشن حرباً لإجباره على الانسحاب.
فرنسا التي تتولى الاتصالات لمنع حرب كبرى في الجنوب ليست في وضع سهل. هي تواجه أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً من جهة، وتواجه حزباً يعلن أنه سيواصل حربه المحدودة ضد إسرائيل دعماً لـ»حماس» ومنعاً لهزيمتها في غزة.
وصولاً إلى ترتيبات تمنع الحرب الكبرى، تعود باريس إلى تفعيل صيغة القرار 1701 الساري المفعول رسمياً، من دون أن يتم الالتزام بنصوصه في أي يوم. فلا إسرائيل نفذت ما يرتبه عليها القرار، ولا «حزب الله» انضبط تحت لوائه.
قبل حرب غزة كان الجدل دائراً في لبنان وإسرائيل وفي مجلس الأمن الدولي حول القرار ودور قوات الطوارئ. دفعت أميركا وإسرائيل باتجاه إعطاء حرية الحركة لـ»اليونيفيل»، ورفض «حزب الله «والتزمت الحكومة اللبنانية موقفه، وجرى التمديد للقوات الأممية بصيغة تفرض عليها التنسيق «مع الحكومة اللبنانية» عند تسييرها دورياتها أو قيامها بمهامها اليومية. ولعبت فرنسا دوراً في تلك الصيغة لضمان استمرار الحضور الدولي في الجنوب.
بعد «طوفان الأقصى» تخطت الوقائع كل ذلك الجدل السابق. قرر «الحزب» فتح الجبهة من دون النظر إلى موقف الأمم المتحدة أو وجود الدولة وجيشها، ولاقته إسرائيل بحربها المحدودة نتيجة انشغالها بغزة وبسبب ضغوط اميركية ترفض فتح جبهات ثانية. قواعد الاشتباك التي كانت سائدة قبل 7 اكتوبر اختلفت عما حصل بعده. هذا الكلام قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ويقوله الأميركيون، ولذلك انخرط الجانبان في مساعٍ أخيرة، تخطت نقاشات ما قبل «الطوفان»، لطرح تسوية تبعد عن لبنان دفع ثمن كأس حرب شاملة ومدمرة، وتستجيب للطلب الإسرائيلي في إبعاد «حزب الله» عن الحدود ضماناً لعودة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم، من جهة، وتفتح الباب من جهة ثانية أمام استكمال تثبيت الحدود البرية من جهة ثانية، وهي المهمة التي يقترح المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين توليها.
لن يطول الوقت قبل ظهور نتائج المساعي الفرنسية والأميركية. والثابت أنّ ترف مواصلة التقاذف المحدود يصعب أن يستمر. فاسرائيل تستعد للحرب في الشمال وهي لم تُخْفِ نواياها في جعل لبنان غزة أخرى. ولا شيء سيردعها في عز تمتعها بدعم عالمي وأميركي خصوصاً. إنّها في حساب السياسة الاسرائيلية الداخلية فرصة قد لا تتكرر، والحسابات الداخلية في الدولة العبرية غالباً ما تقرر سير حروبها.
قال كيسنجر يوماً: «ليست لإسرائيل سياسة خارجية وإنما حسابات داخلية تتسرب خارجاً». وأخطر ما يمكن أن يواجهه لبنان في المرحلة المقبلة «تسرب» طموحات نتنياهو الداخلية، على شكل حرب كارثية تضرب لبنان.