جاء في “الراي” الكويتية:
بين أنوار العيد ونارِ المواجهات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، يتّجه لبنان لإطفاء شمعة 2023 وقبْلها الاحتفال بالميلاد، في محطتيْن ستشكلان ما يشبه استراحةً لأبناء «بلاد الأرز» من مَخاطر أمنية – عسكرية تطلّ برأسها منذ 74 يوماً حين أُعلن الجنوب «جبهةَ مُشاغَلة» وإسنادٍ لغزة كما من أزماتٍ مستحكمة في المال والسياسة تجرجر تداعياتٍ متعددة البُعد.
ولم يعُد خافياً أن المزاجَ الشعبي بات مَضْبوطاً في غالبيّته على ساعة أعياد نهاية السنة التي ستحلّ بما تَيَسَّر من «طَبْلٍ وزَمْرٍ»، بعدما أنْقَذَ تَكَيُّفُ اللبنانيين مع انضباطِ المواجهات جنوباً تحت سقف «ميني حرب» وإصرارُ المغتربين على تمضية العطلة في الوطن الأم، احتفالاتِ رأس السنة من «موت سريري» كانت تتجه إليه في بدايات «طوفان الأقصى».
على أن الأيامَ الـ 10 الفاصلة عن سقوط آخِر ورقة في روزنامة 2023 سيتقاسمها مع طقوس الأعياد القلقُ من مؤشراتٍ متشابكة ارتسمتْ في الساعات الأخيرة وعَكَستْ خشيةً من أن تتوغّل المعارك «المحسوبة» على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية في شكل يعرّضها لانفلاشٍ غير محسوب في لحظةٍ انتقاليةٍ تعيشها حرب غزة بين مضيّ تل أبيب في الانقضاضِ الميداني وبين مَساعي وقف إطلاق النار على متن هدنة مديدة تتيح تَبادُل الأسرى وفق معادلة «الكل مقابل الكل» بحال لم تتوافر عناصر الحلّ السياسي المتكامل.
ويعيش المشهد اللبناني مع العدّ العكسي لولادة 2024 «مساكنة» بين مساريْن، الأول واضحٌ في اتجاهاته و«حمولته» السياسية والثاني غامضٌ في أفقه العسكري وقنابله الموقوتة.
وصار جلياً أن السنة الجديدة محكومةٌ بربْطِ نزاعٍ في الملفات السياسية شكّلتْه إشاراتٌ إلى أن 2024 ستشهد معاودة إدارة محركات الاستحقاق الرئاسي الذي يدور في حلقة مفرغة من فراغٍ متمادٍ منذ الأول من تشرين الثاني 2022 وذلك بهدف استيلادٍ ولو «قيصري» لرئيس للجمهورية، إلى جانب «وراثةِ» تشظياتِ معركةِ التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، التي عمّقتْ التصدع في علاقة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الذي «ردّ الصاع» لرفْع حليفه الصوت بوجهه لـ«حياده» في البرلمان الذي أقر رفْع سن التقاعد لرتبة لواء وعماد لمدة سنة، فانبرى إلى «تطبيع» علني وصريح مع التمديد عبر موافقة وزيريه في حكومة تصريف الأعمال على القانون توطئةً لتوقيعه من الرئيس نجيب ميقاتي بصفته رئيساً لمجلس الوزراء وممثل الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية (ليصبح نافذاً فور نشره في الجريدة الرسمية).
وفي موازاة ارتباط 2024 إقليمياً بـ «مهلة حثّ» أعطتْها واشنطن لإسرائيل للانتهاء – في الأسابيع الأولى من السنة – من مرحلة الأعمال العسكرية المكثّفة في غزة والانتقال إلى مرحلة أكثر تركيزاً وتحييداً للمدنيين، فإنّ تحرك مسار محاولة بلوغ وقف إطلاق نار عبر كل من القاهرة والدوحة يجعل الحربَ في سِباق محموم بين فرْض وقائع عسكرية «ثابتة ونهائية» وبين الوصول إلى صيغة «تُنْزِل الجميع عن الشجرة» وفق ما يكون الميدان أفرزه، وسط خشية لا تستكين من أن تلعب اسرائيل جميع أوراقها في «الأمتار الأخيرة» في مسعى لتحويل «الأوعية المتصلة بالنار» على خط جنوب لبنان – غزة «وعاء لحلّ مزدوج» على الجبهتين مهّدتْ لأرضيته عبر جعْل القرار 1701 وإبعاد خطر «حزب الله» – إلى شمال الليطاني أو إلى «مسافة آمنة» محدّدة – منصةً بات يعتمدها المجتمع الدولي في مقاربته لترتيبات الوضع جنوباً بعد أن تنتهي الحرب.
وثمة مَن يتعاطى مع إطلاق الولايات المتحدة تحالفاً دولياً بحرياً للتصدي لاستباحة الحوثيين البحر الأحمر، ولو من باب استهداف السفن المتّجهة إلى اسرائيل فقط، على أنه سيريح تل أبيب و«يأخذ عنها» التصدي لجبهةٍ ثالثة آخذة في التدحرج، وتالياً إمكان التفرغ أكثر للسيناريوهات ذات الصلة بجنوب لبنان وذلك بعد «تجزئة» الجبهات على صعيد التعاطي معها عسكرياً بـ «توزيع مَهمات».
ولم يكن عابراً أمس، استشعار طهران بما يعنيه إطلاق «حارس الازدهار»، وفق ما عبّر عنه إعلان قائد القوات البحريّة في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري من «أننا جهّزْنا قوارب بصواريخ ذكيّة لرصْد تحركات السفن الأميركية في المنطقة».
وكان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أشار عبر «وكالة مهر للأنباء» الإيرانية، رداً على سؤال حول احتمالات توسّع الحرب وتداعيات الأحداث الإقليمية، إلى أنّه «ضمن الظروف الحالية مازال هناك احتمالٌ لتوسع الحرب»، مضيفاً «لا نستطيع تحديد الوقت المحدد أو الظروف التي ستؤدي إلى اتساع المواجهة، والأمر يتعلق بالساحة العسكرية وقادة المقاومة».
ولفت إلى «أنّ الخسائر العسكرية الإسرائيلية عند الجبهة مع لبنان كثيرة»، قائلاً إنّ «الحديث الحصري اليوم هو حديث المواجهة في الميدان وقتال العدو الإسرائيلي في الجنوب لصد اعتداءاته ونياته وقراراته التوسعية»، مؤكّداً أنّه «لا تنفع لا التهديدات ولا أيّ تصريحات تُطلق من هنا وهناك».
في موازاة ذلك، تتهيأ بيروت لاستقبال رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في زيارة رسمية بعد غد، تتفقد خلالها الكتيبة الإيطالية العاملة في قوة «اليونيفيل»، على أن تشمل لقاءاتها محادثات مع ميقاتي، تتناول الوضع في الجنوب في ضوء المواجهات المتواصلة فيه والتي ارتقتْ نوعياً في الأيام الأخيرة عملياتٍ من «حزب الله»، الذي نعى 6 من عناصره، خلال اليومين الأخيرين، بينما قتل شخص داخل سيارته برصاص قناص إسرائيلي في أطراف بلدة كفركلا.