كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
78 يوماً مرّت على العدوان الإسرائيلي على غزة إثر عملية “طوفان الأقصى” وعلى دخول حزب الله إلى قلب المعركة مساندة للقطاع والشعب الفلسطيني من خلال إشغال جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية، وما زالت العمليات العسكرية متواصلة على طول الخط الأزرق من الناقورة إلى مزارع شبعا. ويؤكد مسؤولون في حزب الله أن المقاومة ستحافظ على وتيرة الإسناد والتضامن مع الشعب الفلسطيني وستستمر في عملياتها على طول الحدود للضغط على العدو وإبقائه في دائرة الارباك والقلق من دون أن تغيّر التهديدات الإسرائيلية والضغوط الخارجية في هذا الموقف الأخلاقي والوطني والإنساني.
أما التخفيف من عملية الإسناد أو رفع وتيرتها فمرتبط بتقييم الوضع في غزة من دون أن يغفل حزب الله من حسابه احتمال توسيع إسرائيل نطاق اعتداءاتها على الرغم من اعتباره أن تكرار هذه التهديدات بات “مملاً وفارغاً”.
إلا أن تقدير الموقف لدى قيادة الحزب يشير إلى أنه طالما لم يجرؤ الإسرائيلي لغاية الآن على توسيع نطاق المواجهات فهو لن يجرؤ في وقت لاحق إدراكاً منه أن ما سيواجهه هو أضعاف أضعاف ما واجهته به حركة “حماس” وإذا كان العدو الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه ضد “حماس” في غزة فإن مصيره الإخفاق الحتمي في تحقيق أهدافه في مواجهة حزب الله الذي زاد قوة وعتاداً وعديداً منذ حرب تموز ولم يستخدم إلا 5 في المئة من هذه القدرات الميدانية والعسكرية اضافة إلى أن أي استهداف للحزب يعني حتمية المعركة ووحدة الساحات في كل المنطقة.
وفي اعتقاد أوساط حزب الله ان ما بعد عملية طوفان الأقصى ليس كما قبلها، فالمعادلات تبدلت وما تطرحه إسرائيل والموفدون الدوليون ومن بينهم الفرنسيون حول مستقبل غزة والوضع جنوب نهر الليطاني لا يأخذ بعين الاعتبار ما حصل في 7 تشرين الاول ولا يعترف بما تحققه المواجهات على الجبهة الجنوبية في لبنان، وبالتالي على الإسرائيلي التوقف عن المكابرة وعلى مّن يدعمه الإدراك أن تل أبيب ليست في موقع يؤهلها لفرض الشروط.
وقف العمليات العسكرية
ولكن بالتزامن فإن اللافت أن البعض من فريق الممانعة وليس فقط الفريق السيادي بدأ يتساءل عما حققه دخول حزب الله في المعركة ويدعو إلى وقف العمليات العسكرية، وهذا ما طرحه أحد حلفاء الحزب رئيس حزب التوحيد وئام وهاب الذي كما قال “لم يشعر أن ما يحصل يخفف الضغط عن غزة لأن إسرائيل ليست بحاجة للفرقتين العسكريتين المنتشرتين على الحدود مع لبنان، فبالنهاية جيشهم يقارب الـ 350 ألف عنصر” واعتبر أن “ما يحصل على الحدود الجنوبية يضغط كثيراً على لبنان ويعطل كل شيء فيه، ولا يمكننا الاستمرار بتعطيل كل شيء في لبنان، لأننا تعبنا”.
وقد تسبّب مثل هذا الكلام ببلبلة في صفوف الحزب خصوصاً أن البعض فسّر موقف وهاب على أنه تعبير ضمني عن ما يجول في ذهن البيئة الحاضنة للمقاومة التي اضطر نحو 80 الفاً من أبنائها للنزوح من القرى الحدودية إلى صور ومحيطها أو إلى بيروت إضافة إلى تعرض أرزاقهم وبيوتهم للتخريب في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة يمر بها البلد.
فماذا حقق دخول حزب الله في المعركة إلى جانب غزة حتى تاريخه؟
يقول مسؤولون في الحزب إن تل أبيب اضطرت لإرسال 100 ألف جندي إلى الجبهة الشمالية لمواجهة المقاومة الأمر الذي خفّف الضغط عن غزة وحال دون تجيير كل وحدات جيش الاحتلال لمحاصرة القطاع وضربه. كما أنها اضطرت لتخصيص 7 منظومات من القبة الحديدية لمواجهة صواريخ حزب الله التي تطال الجليل ما أدى إلى نزوح حوالي 120 ألف مستوطن إلى داخل فلسطين المحتلة واشتراطهم عدم العودة إلا في حالة إزالة خطر الحزب انطلاقاً من عدم ثقتهم بقدرات جيشهم بعد الضربات والخسائر التي يتلقاها والتي شملت كل المواقع العسكرية على الحدود بلوغاً حتى مستوطنة مرغليوت.
مراجعة حجم الأذى والأضرار
إلا أنه في مقابل هذه القراءة من مسؤولي حزب الله، هناك مَن يدعو إلى مراجعة حجم الأذى والأضرار في الجانب اللبناني وخصوصاً في القرى الحدودية حيث إلى جانب عدد شهداء حزب الله الذي تخطّى المئة ارتفع عدد المنازل المدمرة والأرزاق المحترقة وعدد السكان الذين نزحوا إضافة إلى التداعيات على الوضع الاقتصادي المهترئ أصلاً في البلد وعلى الحركة السياحية والخدماتية في الأعياد وعدم قدرة الدولة على التعويض عن الأضرار وعدم وجود أي دولة عربية مستعدة لتقديم المساعدات لإعادة الإعمار كما حصل بعد حرب تموز 2006 وباالتالي ليس مقبولاً، على الرغم من حجم التعاطف والتضامن الكبير من قبل كل الشعب اللبناني مع غزة والقضية الفلسطينية، أن يستمر أحد الأحزاب بإختزال إرادة الشعب اللبناني وأن يقرر منفرداً زج البلد في حرب ورفع منسوب المخاطر الأمنية والاقتصادية من خلال مناوشاته الحدودية خدمة لأجندة إيرانية ودون إقامة أي اعتبار للدولة اللبنانية التي أكدت أكثر من مرة على لسان رئيس حكومتها نجيب ميقاتي رفضها الحرب وخيارها السلام، ولاسيما أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تتأثر بتدخل حزب الله في الميدان ولم تتوقف.
كما يستغرب معارضو الحزب إستخفافه بالتهديدات الإسرائيلية للبنان التي وصلت إلى حد التهديد بتحويل بيروت إلى غزة ووضع الحزب هذه التهديدات في خانة التهويل ليس إلا، ويسألون ماذا لو فشلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في كبح جماح تل أبيب التي تخطط لتوسيع الحرب على الجبهة الجنوبية في حال لم يلتزم حزب الله بتطبيق القرار 1701 ورفض إنشاء منطقة عازلة على الحدود؟ وماذا لو تقدّم خيار الحرب على فرصة التسوية الدبلوماسية التي تقودها فرنسا؟ داعين إلى التخفيف من الحديث عن تغيّر المعادلات عما كانت عليه عام 2006 وعن حصول توازنات عسكرية وميدانية لمصلحة المقاومة والتعامل بعقلانية مع القضايا المصيرية ووقف عملية اختطاف القرار السيادي اللبناني بقوة السلاح.