كتب ناصر زيدان في “الأنباء” الكويتية:
قانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون ولمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بعث بعض الأمل لدى اللبنانيين، بعد أن كان الانغلاق يحيط بهم من كل حدب وصوب، وكان وضع المؤسستين الرئيسيتين مهددا بالفراغ من جراء السياسة العبثية غير المفهومة التي ينتهجها بعض المسؤولين. والاستقرار الأمني النسبي، هو ما تبقى للوطن بعد أن تآكلت القطاعات الهامة فيه، وتلاشى اقتصاده الى الحدود الدنيا. وقد سجلت اندفاعة فورية للجيش وقوى الأمن الداخلي بعد التمديد، وتم تنفيذ إجراءات هامة قبل الأعياد، انعكست ايجابا، بانتظار استكمال باقي التعيينات في الجيش خصوصا لموقع رئيس الأركان الشاغر منذ أكثر من عام ولأعضاء المجلس العسكري الآخرين.
الإجراءات الأمنية التي تنفذها قوى الأمن الداخلي في بيروت ضد الدراجات النارية المتفلتة وضد السيارات المخالفة، أضفت أجواء مريحة لدى المواطنين، بالرغم من الاختناق المروري الذي تسببت به الحواجز والسيول والفيضانات التي حصلت اليومين الماضيين، لأن منسوب الفوضى في الأشهر الأخيرة وصل الى حدود لم تعد تحتمل، وكانت شوارع المدينة ومحيطها تتخبط وسط ارتباك كبير لم يسبق له مثيل، وخوف السائقين يزداد من الحوادث والصدامات، خصوصا منهم السيدات اللواتي يقدن سياراتهن بمفردهن.
بيروت درة الشرق، حولتها العتمة وبعض الفلتان الى شوارع مقفرة في الليل، بينما أعداد النازحين والمشردين تزداد على جوانب طرقات رئيسية، وعاد تشغيل الأطفال لطلب مساعدة من المارة او «للشحاذة» كما كان يحصل في السابق، وغالبية هؤلاء يعملون لصالح عصابات تهدف لجمع الأموال، وعددهم أكثر من الذين يطلبون المساعدة لسد حاجة شخصية او طبية ماسة. وكان ينقص المدينة الجميلة، وجود بعض الخيم الصغيرة، او الشوادر المفتوحة، التي ينام تحتها من ليس لديهم مأوى من النازحين المعذبين.
تفعيل دور قوى الأمن الداخلي قبل الأعياد، جاء دواء شافيا لجرح نازف. وهو حصل في لحظة هامة من حياة المدينة. وزادت معها الحركة في الأسواق، وأطلقت موجة من التفاؤل برغم المخاوف التي يشعر بها اللبنانيون من جراء احتمال تفاقم العدوان الاسرائيلي القائم في الجنوب، ورغم الأحزان الكبيرة التي يعيشونها بسبب بشاعة الارتكابات التي ينفذها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
لا يليق بمدينة الإشعاع والعلم والسياحة والتفاعل أن تكون كئيبة، تنام على العتمة وتفتقد الى النور، وقد بادرت جمعيات محلية الى تركيب ألواح لتوليد الطاقة الشمسية لإنارة بعض الشوارع، كما جاهد المستثمرون لتوفير كهرباء في الأسواق والمطاعم التي بدأت تعج بالرواد من المغتربين الذين عادوا لقضاء العطلة مع أهلهم في ربوع الوطن الجميل.
إجراءات قوى الأمن الداخلي التي شملت توقيف الدراجات النارية المخالفة والتدقيق بالوضع القانوني للسيارات، وضبط حمل السلاح غير المرخص، هي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، وقد حصلت تجاوزات كبيرة كادت أن تؤدي الى فتن كبيرة من جراء غياب دوريات قوى الأمن والجيش في الفترة الماضية، وكانت الحجة عن الغياب، لأن ضباط ورتباء وأفراد هذه المؤسسات كانوا يعانون كما كل مرافق الدولة من نقص في التجهيزات والمحروقات، ورواتبهم لم تكن تكفي لسد حاجة عائلاتهم المعيشية، ولا لتأمين بدل انتقالهم الى مراكز خدمتهم احيانا.
استغل المتفلتون وضعية غياب الأجهزة الأمنية، كما عدم وجود كهرباء لإنارة الشوارع وتوقف إشارات المرور، لممارسة بلطجة ألحقت ضررا بمصالح الناس وبسمعة المدينة، وتراجعت مع هذه الوضعية الحركة الاقتصادية والتجارية في الليل، بينما تحتاج الناس لزيادة الحركة الإنتاجية لتستطيع توفير لقمة العيش لعائلاتها، في وضع مالي صعب جدا.
قال لي أحد الأصدقاء من الذين غادروا البلاد منذ فترة بعد ان توقف عمله في لبنان: أن أول ما يفعله القادم من لبنان الى بلاد الاغتراب هو لعن ولوم المسؤولين عن تعميم الفوضى في لبنان، ومن ثم يحسد الدول المتقدمة على وجود النظام والقانون لأنهما الثروة الفعلية للشعوب، ومن دونهما لا تتقدم الدول. فما يصيب لبنان من عبث في ادارته يدمي القلوب.