جاء في “الراي” الكويتية:
تتوالى تحذيراتُ التقارير الدولية من انزلاق الاقتصاد اللبناني الى خانة استمرار الانكماش الذي تستمر مفاعيلُه السلبية للعام الخامس على التوالي، وبحصيلةٍ دراماتيكية يتوّجها الانحدارُ الحادُ للناتج المحلي إلى عتبة 18 مليار دولار من مستواه الأعلى الذي تعدّى 53 ملياراً نهاية العام 2018، وبتآكُل سعر العملة الوطنية المستقرة بهشاشة حالياً عند حدود 90 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، مقابل 1.5 ألف ليرة في فترةِ المُقارَنةِ عيْنها.
ويسلّط تقريرٌ محدّث لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي الضوءَ على مكامن الخلل المستجدّة بفعل حرب غزة وذيولها المحلية، ليؤكد أنّ قطاع السياحة الذي أظهر مرونةً استثنائيةً وأداء قويّاً خلال الفترة السابقة على الرغم من الوضع المتردي في لبنان، قد تأثّر بشدّة بالأحداث الدائرة على حدود لبنان الجنوبية، ليشير استطراداً إلى أن النشاط السياحي الضعيف ستكون له على الأرجح آثار غير مباشرة على أنشطة أخرى، وبالتحديد الأنشطة الزراعيّة والصناعيّة نظراً لترابُط هذه القطاعات ببعضها.
وفي تنويهٍ يدلّل على أوجه القصور الرسمي، لم يَفُتْ الباحثين الذين أعدوا التقرير الإشارة الى فجوة تقصي المؤشرات والأرقام الموثقة في لبنان، وفق ما عبّرت عنه الملاحظة الواردة لجهة أنه «فيما يتعلق بتقييم الخسائر، وفي ظلّ ندرة المعلومات المتاحة من قبل الحكومة، فقد إستندت النتائج إلى مقابلات مع المتضرّرين الرئيسيين وإلى تقييم أولي أجراه فريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
وأشار التقرير أيضاً، في ما يتعلق بمنطقة الجنوب تحديداً، إلى أن الصراعَ له آثار ثلاثية البُعد، وهي الخسائر البشرية والنزوح، حيث تم احصاء نزوح داخلي لأكثر من 65 الف مواطن حتى فترة إعداد التقرير، وجلهم بنسبة 52 في المئة من الإناث و37 في المئة من الأطفال. إضافة الى الأضرار الماديّة على المباني والمصانع والبنية التحتيّة والمَرافق، والتأثير الضارّ على الزراعة والثروة الحيوانية والزراعة المائيّة والغابات بسبب القصف.
وتحت عنوان «حرب غزّة: نتائج أوليّة حول الأثَر الإجتماعي والإقتصادي والبيئي على لبنان»، استنتج التقرير انه «وبينما كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد اللبناني بنسبة 0.2 في المئة في العام الجاري بعد أربع سنوات من التدهور، فإن احتمال تواصل الانكماش مرتفع حاليّاً»، نظراً لتأثير الأحداث والعمليات العسكرية لجهة تقليص حجم المساهمة الكبيرة للقطاعات في الاقتصاد. علماً أن التقرير يتضمن تقييماً أولياً لأثَر حرب غزّة وإمتدادها إلى حدود لبنان الجنوبيّة على البلاد في شكل عام والجنوب في شكل خاص.
وإلى جانب الإشارة إلى الفجوة الرقمية المرشّحة للتفاقم جراء التراجع المشهود الذي تسجّله أعداد الوافدين الى البلد من لبنانيين وغير لبنانيين، لقاء زيادات مستمرة في أعداد المغادرين، فقد أشار التقرير الى التأثيرات المصاحبة لوقف العديد من شركات الطيران التجاريّة رحلاتها إلى لبنان في أعقاب حرب غزة، في حين خفّضت شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل ايست) رحلاتها بمقدار 50 في المئة.
وفي سجلّ النتائج الفورية، إنخفض معدّل إشغال الفنادق إلى ما دون 10 في المئة خلال شهر اكتوبر الماضي، مدفوعاً بالمغادرات المبكّرة وإلغاء الرحلات بسبب تحذيرات السفر، وخصوصاً لدى السيّاح الأوروبيين الذين يميلون إلى زيارة لبنان في فصل الخريف. كما تلقّت حركة المطاعم ضربة شديدة، متراجعةً بنسبة 70 الى 80 في المئة في أيام العمل المعتادة وبنسبة 30 الى 50 في المئة خلال عطلات نهاية الأسبوع.
كما يتوقّع التقرير الأممي أن تؤدي الحرب السائدة، ومدفوعة ايضاً بتدهورِ تصنيفات المخاطر وارتفاع أقساط التأمين، إلى إضعاف نشاط التجارة الدولية، حيث من المتوقع أن تتعثر الصادرات والواردات، عقب الارتفاع الأولي في إستيراد السلع الأساسيّة بسبب المخاوف الأمنية.
وفي النطاق عينه، توقّع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن يؤدّي تباطؤ نشاط التجارة الدوليّة للبنان إلى تدهورٍ في الماليّة العامّة، نتيجة إنكماش عائدات الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، واللتين تشكلان نحو 63 في المئة من إجمالي الإيرادات الضريبيّة.
كذلك، يرتقب أن تكون لحرب غزة وامتدادها المستمر إلى جنوب لبنان الذي يشهد عمليات عسكرية ومواجهات يومية، تداعيات سلبيّة على تدفقات التحويلات الماليّة إلى لبنان، نظراً لأن غالبيتها تتم عبر قنوات غير رسمية مثل الأشخاص الذين يسافرون إلى لبنان.
وقام التقرير أولاً بوصف الحالة المترديّة أصلاً للإقتصاد اللبناني، بحيث تقلّص الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 40 في المئة خلال الفترة بين العامين 2018 و2022، وتدهورت قيمة العملة المحلية بأكثر من 98 في المئة، وإرتفعت متوسطات نسب التضخّم إلى ما فوق عتبة 100 في المئة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، تقلّصت الإيرادات الحكوميّة من 13.1 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في 2020 إلى 6 في المئة في العام 2022، ليتبوأ لبنان أحد أدنى المستويات حول العالم. وفي المقابل، تم رصدُ إنخفاضٍ متزامن في النفقات العامّة من 16.ب المئة إلى 5.7 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي.
وتفسّر هذه الأرقام عملياً تضاؤل قدرة الحكومة على تأمين الخدمات الأساسيّة، بينما تصل معدّلات الفقر المتعدد البُعد الى 82 في المئة وتتعدّى البطالة 29.6 في المئة، وهي مستويات قياسية، وفق المعايير الدولية.