كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
إختصر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري الخوري الإجراءات الروتينية لمعرفة الأسباب التي دفعت بالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت بالإنابة، القاضي حبيب رزق الله، إلى تكليف القاضي بلال حلاوي مهمات قاضي التحقيق الأول في بيروت؛ وقدّم مطالعة تبنّتها الدولة اللبنانية عبر هيئة القضايا في وزارة العدل، بكل مندرجاتها، في إطار ردّها على مراجعة الإبطال، وطلب وقف التنفيذ المقدّم من القاضي فؤاد مراد أمام مجلس شورى الدولة. ليشكّل هذا الإجراء مقدّمة لما يمكن اعتماده مع إحالة المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات على التقاعد، وتكليف قاضٍ يراعي تمثيل الطائفة السنيّة وفق الأعراف المتّبعة.
وبعد الأخذ والردّ حول تكليف قاضي تحقيق أول في بيروت خلفاً للقاضي شربل أبو سمرا الذي أحيل على التقاعد، وإلى حين اتّضاح مآل ردّ مجلس شورى الدولة، اعتبر رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل بالتفويض، القاضي أمل الراسي، أنّ شروط وقف التنفيذ غير متوافرة في الحالة الحاضرة، ودعا إلى ردّ طلب وقف التنفيذ الوارد في مراجعة الإبطال المقدّمة أمام مجلس شورى الدولة من قِبل قاضي التحقيق في بيروت القاضي فؤاد مراد.
واعتبر أنّ المراجعة لم تستند إلى أسباب جدّية ومهمة، إنطلاقاً من أن تكليف القاضي بلال حلاوي يتماهى ونص المادة 20 معطوفة على المادة 36 من نظام القضاء العدلي، التي تشير إلى أنّ التعيينات في دوائر النيابات العامة لم تشترط تعيين القاضي الأعلى درجة، بل أعطت الرئيس الأول السلطة الاستنسابية لتعيين من يراه الأفضل. وذلك، وسط تأكيد الإدارة المختصة، أنّ القرار المطعون فيه قد احترم تسلسل الدرجات، إذ إنّ القاضي المكلّف مهمات قاضي التحقيق الأول هو الأعلى درجة بين قضاة النيابة العامة الأصيلين، في حين أنّ المستدعي هو من قضاة النيابة العامة بالانتداب.
واستطراداً، توقّفت وزارة العدل في ردّها، عند وجوب الفصل في مسألة خضوع القرار موضوع المراجعة، لرقابة مجلس شورى الدولة من عدمها. ولفتت إلى أنّ «المجلس» غير ذي صلاحية لبتّ الطعن، لخروج القرار المذكور الذي يدخل في صلب تسيير المرفق القضائي، وتحديداً المادة 20 من قانون القضاء العدلي، (أولت الرئيس الأول الإستئنافي صلاحية تكليف قاضٍ من القضاة التابعين له لتأمين أعمال قاضٍ تعذّر عليه القيام بعمله لأي سبب) من طائفة القرارات الإدارية التي يمكن طلب إبطالها أمام المجلس بسبب تجاوز حدّ السلطة. واعتبرت أنّ الغاية المتوخّاة من القرار المشكو منه ومن أي قرار مماثل، تتعلق بسير المرفق القضائي لا بتنظيمه الإداري، ما يجعله غير خاضع لرقابة مجلس شورى الدولة. وبالإستناد إلى المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة، تبيّن أنها تستثني صراحة من المقبولية، القرارات غير الإدارية والقرارات التي لها صفة عدلية، كالقرار موضوع المراجعة الحاضرة، والذي أكّدت عليه المادة 67 من القانون عينه، التي نصّت على أنه «لا يجوز لأحد من الأفراد أن يقدّم دعوى أمام مجلس شورى الدولة إلا بشكل مراجعة ضدّ قرار صادر عن السلطة الإدارية».
أكثر من ذلك، رأى الوزير في ردّه، أنّ مندرجات المادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة التي أتاحت للمجلس أن يقرّر وقف التنفيذ بناءً على طلب صريح من المستدعي إذا تبيّن من ملف الدعوى أنّ التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضرراً بليغاً، وأنّ المراجعة ترتكز على أسباب جدّية مهمة، غير متوافرة. وأشار إلى أنّ «الضرر المزعوم من قِبل المستدعي هو ضرر مشروع ولا يمكن وصفه بالبليغ معنوياً طالما أنّه ناتج من قرار لصيق بسير المرفق القضائي يستهدف ملء الشغور في مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت بالاستناد الى المادة 20 سالفة الذكر، والتي لم تضع أي قيد على المرجع صاحب الصلاحية في إصداره لناحية درجة القاضي المكلف القيام بمهمات القاضي المتغيّب (أو المتقاعد بطبيعة الحال)». وبعد استغرابه، تساءل الوزير في ردّه عن الضرر المادي الذي ألحق بالمستدعي وطبيعته ومرتكزه، ليختم مؤكداً أنّ شرطي إعمال المادة 77 غير متوافرين في الحالة الحاضرة، ما يوجب ردّ طلب وقف التنفيذ لعدم قانونيته.
وإلى أن يبتّ مجلس شورى الدولة قراره النهائي بين رأي وزير العدل القاضي هنري الخوري والمراجعة التي قدّمها القاضي فؤاد مراد أمامه، تؤكد أوساط متابعة أنّ القاضي بلال حلاوي بدأ ممارسة مهماته كقاضي تحقيق أول في بيروت بالتكليف، وأكبّ على درس الملفّات الملقاة على عاتقه في محاولة واضحة لترسيخ المناقبيّة والجديّة التي تحلّى بها طوال مسيرته القضائيّة.
وعلمت «نداء الوطن» أنّ الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت بالإنابة، القاضي حبيب رزق الله، استند إلى أداء قضاة التحقيق في بيروت وإنتاجيتهم لاختيار قاضي التحقيق الأول. ولفتت أوساط متابعة إلى أنّ استبعاد مراد عن الموقع قد يكون ناجماً عن كونه منتدباً إلى دائرة التحقيق في بيروت بعد أن أُلحق في وزارة العدل ضمن مرسوم التشكيلات القضائية الصادر عام 2017، إلى جانب تسجيل اعتذار سابقٍ له عن ترؤس محكمة الجنايات في بيروت بالتكليف، خلفاً للقاضي طارق البيطار، بالتزامن مع انتدابه حينها مستشاراً إلى محكمة الإستئناف في النبطية.
وأشارت الأوساط نفسها، إلى أنّ القاضي رزق الله حاول من خلال تكليف القاضي وائل صادق، مراعاة تمثيل الطائفة السنيّة، قبل أن يتوقف عند اعتراض قضاة التحقيق على تعيين صادق، واختيار القاضي بلال حلاوي، الأقدم بين قضاة التحقيق بعد استثناء القاضي مراد لكونه منتدباً إلى دائرة التحقيق في بيروت.
ووسط تشديد المتابعين على وجوب عدم التوقف عند الاعتبارات الطائفية، لفتوا إلى أنّ غياب الانتظام العام في المؤسسات الدستورية وعدم إقرار مرسوم التشكيلات القضائية أطاحا مراعاة التوزيع الطائفي في العديد من المواقع، جرّاء انتداب أو تكليف قضاة من طوائف أخرى من أجل تسيير العمل في العدلية.
وفي الختام، وبعد أن عمد التفتيش القضائي إلى حفظ المراجعة التي قدّمها القاضي فؤاد مراد، كشفت أوساط متابعة أنّ مجلس شورى الدولة سبق أن بتّ مراجعة تقدّمت بها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في وجه المدّعي العام التمييزي غسان عويدات على أثر طلبه من الضابطة العدلية عدم أخذ إشارة من عون، واعتبار قرار عويدات قراراً إدارياً لا يمكن ردّه.