كتب منير الربيع في “المدن”:
على وقع الجبهة اللبنانية المفتوحة مساندة لغزة، يشهد لبنان عجزاً سياسياً بانتظار ما ستؤول إليه المعارك هناك.
شاء اللبنانيون أم أبوا، أصبحت الوقائع مرتبطة ببعضها البعض. في الداخل سجال سياسي مفتوح على مصراعيه حول وضع الجبهة في الجنوب، وحول الملف الرئاسي، الذي أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي سعيه في سبيل إعادة تحريك البحث به بعد عطلة الأعياد.
يأتي موقف بري بالتزامن مع معطيات تفيد بعودة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، والموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني. رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع توجه إلى بري برسالة تشير إلى اعتماد المبدأ الذي سارت عليه مسألة التمديد لقائد الجيش والذهاب باتجاه المفاوضات الثنائية الهادئة للوصول إلى تفاهمات رئاسية.
بانتظار الجنوب
على ضفة حزب الله، فهو لا يمانع الذهاب إلى حوارات، مع تشديده على مبدأ انتخاب رئيس لا يطعنه بالظهر. الوقائع الحالية تشير إلى أن كل شيء سيكون مرتبطاً بمسار الحرب على غزة وتوقفها. أما بعدها فإن البحث في لبنان سيكون على سلّة شاملة، تبدأ بإرساء الاستقرار في الجنوب، ربطاً بمسار الترسيم البري الذي اقترحه آموس هوكشتاين كجزء من سحب فتيل التصعيد. لا يزال الحزب سياسياً متمسكاً بخيار سليمان فرنجية، وخصوصاً بعد كل التطورات الحاصلة في المنطقة، مع العلم أن الانتخابات الرئاسية ستكون نتاج تفاهم دولي ينعكس تفاهماً داخلياً، وبالتالي لا بد من انتظار حصول تقاطع إيراني أميركي ربطاً بتطورات الوضع في الجنوب وهو ما سينتج تسوية داخلية.
وعلى غرار السجال اللبناني القائم والمفتوح، هناك سجال إسرائيلي بين تهديدات وتصعيد في المواقف وصولاً إلى الحديث عن مهل معطاة للبنان لقبول حزب الله بإرساء الاستقرار في الجنوب، وإعطاء ضمانات تطمئن المستوطنين من العودة إلى منازلهم في المستوطنات الشمالية. وبين كلام أكثر واقعية داخل إسرائيل يشير إلى عدم الرغبة بالذهاب إلى حرب واستحالة تطبيق القرار 1701 من دون اتفاق سياسي، أو وفق ما يتحدث الإسرائيليون عن الاستعداد لتطبيقه باستخدام القوة العسكرية. خصوصاً ان كل السقوف التي يضعها الإسرائيليون تبدو غير واقعية، لا لجهة انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني، ولا لمسألة سحب قوات الرضوان، لأنهم أبناء المناطق والبلدات.
مسار أميركي
واقعياً وبعقل بارد، فإن أقصى ما يمكن الوصول إليه يمكن تقسيمه إلى مرحلتين، بعد وقف إطلاق النار في غزة. المرحلة الأولى تتصل بعودة الأمور إلى ما كانت عليه في 6 تشرين الاول، أي العودة إلى مندرجات الاتفاق السياسي الذي ارسى استقراراً بموجب القرار 1701. والمرحلة الثانية استكمال المسار الأميركي في سبيل تكرار نموذج ترسيم الحدود البحرية في البرّ. ما يريده الأميركيون من وراء ذلك، هو الوصول إلى معادلة أن ترسيم الحدود وانسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها، ووضع صيغة دولية لإيجاد حل لمعضلة مزارع شبعا، يفترض أن يفقد الحزب ذرائع كثيرة لاستخدام السلاح، فلا يعود الحزب بحاجة إلى استخدام هذا السلاح. والحديث هنا عن ارساء الاستقرار لا عن نزع هذا السلاح.
هذا المسار، الذي يريده الأميركيون، نتائجه الأساسية تفرض استقراراً مستداماً في الجنوب اللبناني، ما سينتج المزيد من السجالات اللبنانية حول سلاح الحزب ومسألة بقائه واحتفاظه به. أما في السياسة، فلا بد أن يكون هناك ثمن لأي اتفاق من هذا النوع، وهو مجدداً سيكون مبنياً على تفاهم إيراني أميركي يكرس الاستقرار في الجنوب، في مقابل تغير بالوقائع السياسية في الداخل اللبناني، وربما بالوقائع الدستورية أيضاً. وهو ما سيبدأ من انتخاب رئيس يؤيده الحزب أو يريده، وربما لاحقاً إعادة البحث في الصيغة اللبنانية ككل، وكيفية تعزيز وضعيته فيها دستورياً.