Site icon IMLebanon

القرى الحدودية تنقلب حياتها رأساً على عقب

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

انقلبت حياة الجنوبيين رأساً على عقب، وتحوّلت القرى بلدات مهجورة، بعدما نزحت منها غالبية السّكان. تبدّلت أحوال بعض قرى الشريط الحدودي التي تتعرّض للقصف، حيث تعتبر كفركلا وعيتا الشعب واللبونة أكثر القرى المستهدفة، تليها ميس الجبل وحولا وعيترون ويارون، وغيرها من القرى التي تحوّلت خط نار للحرب القائمة.

ما لا شكّ فيه أنّ الحرب الدائرة اليوم أعادت القرى سنوات إلى الوراء، أوقفت النهضة الإنمائية المتنامية التي حوّلت بعضها قرى سياحية جاذبة للسيّاح، من جرّاء انتشار بيوت الضيافة أو المراكز السياحية والأثرية، من دون إغفال السياحة الزراعية التي شهدت في السنوات الماضية، نهضة غير مسبوقة، وتطوّراً رائداً، خاصة في ظلّ اعتماد غالبية سكان القرى الحدودية على الزراعة بكل قطاعاتها.

تبدّلت أحوال القرى الحدودية، غابت حركة الناس، وضجيج الوفود السياحية التي غصّت بها فترة الصيف، بحثاً عن مراكز ضيافة وسياحة، اختفت كلياً اليوم، وخيّم شبح الحرب، وتحوّلت مدنَ أشباحٍ بغالبيّتها، خسرت كل مواردها الاقتصادية والمعيشية، أو كما قال رئيس بلدية حولا شكيب قطيش “رجعنا لنقطة الصفر وما دون”.

لطالما غصّت حولا بالزوّار من مختلف القرى، اليوم اختفى الكلّ على وقع القصف والغارات اليوميّة التي لا حدود لها، “قبل الحرب كانت حولا تعاني نقصاً في الاهتمام وتشكو إهمال الدولة، وما حقّقته من مشاريع تنموية فبفضل دعم الجمعيات لها”، وفقاً لقطيش.

حالة جمود أصابتها، ويقول قطيش “بطالة، دوائر رسمية معطّلة، مصاريف كبيرة، خسرت حولا في كل المجالات والقطاعات سواء الزراعية أم حتى الاقتصادية، انتفت الحياة اليوم ويخيّم شبح الحرب على كل شيء”.

ويضيف أنّ أهالي حولا ينتظرون ساعة الحلّ الموعود “لعلّها تعيد أبناء البلدة إليها من جديد، وليعود كل شيء إلى حاله يحتاج الى مقوّمات كبيرة وطبعاً مقوّمات الدولة معدومة”.

في ميس الجبل تكاد الحياة تكون متوقّفة، والخراب يتحدّث عن نفسه هنا، البلدة التي كانت بوّابة اقتصادية وتجارية لكلّ مدن لبنان صارت خراباً. يعود رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير إلى ما قبل 7 تشرين الأول، فيقول “كانت ميس الجبل تعيش نهضة اقتصادية غير مسبوقة، نشطت فيها صناعة المفروشات والسجاد، وصارت تنافس المدن اللبنانية، وبعد أن كانت وجهة التجار طرابلس أو صيدا، صارت ميس الجبل هي الوجهة، حيث تنتشر فيها القصور والفلل، وتعدّ مصيفاً سياحياً واقتصادياً”.

انقلبت حال البلدة رأساً على عقب، يقول شقير “دمّرت المنازل والمحال والأسواق التجارية، حتى القطاع الزراعي الذي تطوّر دمّرته الحرب كلياً بسبب القذائف الفوسفورية”. ويضيف بحرقة “لا نعرف حجم الضّرر الذي حلّ بنا، ولا حجم الخسائر، ما نعرفه أنّ مياهنا الجوفية في خطر جرّاء تسرّب الفوسفور إليها”.

تدفع ميس الجبل ومحيطها من القرى الحدودية من الناقورة حتى شبعا ضريبة عن الشعب اللبناني كلّه، تتحمّل وزر الحرب التي تتوسّع تدريجياً وحدها، بل “ندفع ضريبة على مساحة الوطن”، كما يقول شقير.

على مشارف اليوم الثمانين للحرب، ما زالت الدولة عاجزة عن تقديم فرش للنازحين تقيهم شرّ النزوح، “لا منّة للدولة بالنهضة العمرانية والسياحية التي عاشتها القرى الحدودية قبل 7 تشرين الأول، بل طوّرت نفسها، بعزيمة كبرى”، يقول رئيس بلدية برج الملوك إيلي سليمان.

عاشت برج الملوك صيفاً سياحياً عامراً، كونها نقطة محورية بين القرى، وقد نشطت فيها بيوت الضيافة والسياحة”، على حدّ قول سليمان. حالياً، لا يوجد أحد في البلدة “الكل فلوا”، حتى شركات توزيع المواد الغذائية وغيرها توقّفت عن المجيء، “الكل يخشى الاستهداف”.

يقول سليمان “قبل الحرب كانت كل القطاعات الحياتية والخدماتية تعمل، عكس اليوم تحوّلت مدينةَ أشباح، تتوقّف فيها الحياة عند الخامسة عصراً، فسهل مرجعيون يقصف يومياً إلى جانب تلة الحمامص، العدوّ يستهدف شريان الحياة في البلدة ويعمل على تحويل المنطقة كلها إلى منطقة معزولة”.

يقدّر سليمان خسائر برج الملوك حتى الآن بأكثر من 150 ألف دولار، “خسائر من الصعب تعويضها بسهولة في ظلّ غياب مساعدات الإغاثة التي لم يحضر منها سوى 90 حصة إغاثة فقط”، غير أنّ ما يطمح إليه سليمان “انتهاء الحرب ليُعيد الناس بناء ما تهدّم”.

كانت القرى الحدودية جنّة، كما يقول رئيس بلدية رامية علي مرعي الذي “يتغنّى برامية القرية الوادعة عند آخر نقطة حدودية، وتمتاز بمنازلها التراثية القديمة التي كانت عامل جذب للناس اليها صيفاً، وتشتهر بمصيف “الصلحانة” ذي الطبيعة الخلابة وببحيرة رامية الكبيرة الجاذبة للطيور المائية شتاء”.

حالياً لا يوجد سوى 10عائلات صامدة في البلدة التي تعدّ خطاً أمامياً، وتتعرّض يومياً للقصف والغارات، أكثر من 7 منازل هدمت و25 منزلاً تضررت، وبأسف يقول مرعي “رامية ساقطة عسكرياً تحيط بها ثلاثة مواقع للعدو الإسرائيلي موقع رامية وزرعيت وهو أكبرها وأبو دجاج، ومن الصعب دخولها حالياً، لأنها تعدّ منطقة خطرة”.

خلّفت الحرب اضطرابات نفسية عند الناس، فقد جاءت في ظروف اقتصادية صعبة وأزمات متلاحقة سقطت على الأهالي، وما لا شكّ فيه أنّ الحرب قلبت كل المقاييس وجعلت الناس يعيشون كابوساً يدعون الله أن ينتهي عمّا قريب.