كتب طوني جبران في “المركزية”:
قبل ساعات قليلة على وداع عام واستقبال عام جديد، تزاحمت السيناريوهات التي تتناول ما سيرثه من مخلفات السنوات السابقة ولا سيما العام الأخير الذي فتح الأبواب واسعة على مجموعة من الأحداث الكبرى التي لم يكن بالإمكان معالجتها، رغم الجهود التي بذلت على أكثر من مستوى اقليمي ودولي ولا سيما الحرب في غزة وما تسببت به من جبهات مختلفة خرجت من النطاق الجغرافي للاراضي الفلسطينية المحتلة ودولة اسرائيل والمنطقة والتي امتدت من عمق دول شرق المتوسط في العراق وسوريا ولبنان امتداداً الى باب المندب والبحر الأحمر، عدا عن تلك الاحداث المتفرقة التي امتدت الى المحيط الهندي على خلفية إعلان الحرب على طول الخطوط البحرية التي يمكن أن تكون طريقاً للبواخر التي تقصد الموانئ الإسرائيلية وتسببت بأزمة عالمية تأثرت بها دول مختلفة نتيجة ما ألحقته من أضرار بقطاع النقل البحري الذي تحوّل من أولى ضحاياها.
على هذه الخلفيات لا تخفي المراجع الديبلوماسية التي تحدثت الى “المركزية” عن مخاوفها من حروب إضافية يمكن أن تنشأ بين لحظة وأخرى، حروب على هامش الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي قياساً على حجم التطورات التي عكستها ردات الفعل المتداخلة بين ما فعلته هذه الحرب مباشرة وتلك المعلن عنها منذ عقود بين محاور دولية اختارت أكثر من ساحة دولية واقليمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عندما اختارت حلفاءها للمواجهة قبل انفجار الوضع في قطاع غزة.
لا تشمل المراجع الديبلوماسية في توقعاتها ما هو قائم من حرب في جنوب لبنان فهي مطمئنة الى درجة كبيرة أنها “جبهة مساندة” تتناغم مع الحرب في قطاع غزة الى حد بعيد وهي مضبوطة على أكثر من ساعة داخلية، اقليمية ودولية. وهي أحداث لها ما يبررها في ظل ما هو متبادل من اقتراحات ومشاريع حلول مطروحة على المؤثرين فيها وهي تنتظر ساعة الصفر التي لا يمكن بلوغها قبل إعلان وقف نار شامل في غزة. بدليل أن أيا مما طرح من مخارج تعنيها مباشرة وهي بالترتيبات الواجب اتخاذها لتطبيق القرار 1701 لم يبدأ قبل مسلسل الهدن الإنسانية التي تم التوصل إليها لفترة من الفترات، وسط اعتقاد انه سيكون بالامكان ان تتطور الى هدنة دائمة وطويلة تسمح بالحلول السياسية المطروحة بشأن الوضع في جنوب لبنان تحديدا.
وبمعزل عما يجري على الساحة اللبنانية فان المراجع عينها تخشى من إمكان توسع الحرب الى مساحات أخرى تضاف الى ما هو قائم في أكثر من منطقة حساسة وتحديداً من اليمن الى سوريا والعراق حيث تعددت المواجهات المرتبطة بما يجري فيها. ولعل إعتراف وزير الدفاع الاسرائيلي بان بلاده تخوض حروبا مختلفة على سبعة جبهات يشكل توصيفا دقيقا لما يجري وما هو متوقع من تعدد الجبهات غير المحتسبة حتى اليوم.
وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيق ما نمى الى مراجع ديبلوماسية واستخبارية عن مخاوف أميركية من احتمال قيام حرب جديدة تستدرج اسرائيل من خلالها مصر الى مواجهة غير محمودة العواقب، خصوصاً أن كانت تمهد لحرب أخرى قد يدخلها الاردن المهيأ لمثل هذه الأجواء فهو الدولة الوحيدة من دول الطوق الذي سحب السفراء ما بين عمان وتل أبيب بالإضافة الى مملكة البحرين التي قامت بالمثل رفضا للعدوان على الفلسطينيين.
وتأسيساً على ما تقدم، فقد ردت المراجع المطلعة هذه المخاوف الى إمكان إحياء اسرائيل لبرامج الترانسفير الفلسطيني من القطاع الى مصر، وأن حديث الاسرائيليين عن إعادة السيطرة على معبر فيلادلفيا يحيي المخاوف من عملية التهجير القسري بعدما تحول جنوب القطاع الى أكبر خزان بشري في العالم حيث اقيمت عشرات المخيمات التي جمعت مئات الآلاف، وسط مصاعب عدة تعانيها المنظمات الاممية لجهة عدم القدرة على توفير الحد الادنى من الاغذية الاساسية لهم عدا عن انتشار مختلف أنواع الأمراض المعدية في صفوف الأطفال والنساء.
على هذه الخلفيات تردد أن واشنطن نبهت اسرائيل من مخاطر التحضيرات الجارية في شمال القطاع، حيث ارتفعت نسبة النشاطات الهادفة الى إحياء المستوطنات الاسرائيلية التي تم تفكيكها العام 2008 عند انسحاب الجيش من المنطقة التي كانت تجمع آلاف المستوطنين في شمالي قطاع غزة. وفي المعلومات أن قادة المستوطنين رفعوا الصوت للعودة إلى استيطان منطقة “غوش قطيف” بعدما التقت منظمات يمينية عدّة لإعادة تشكيل ائتلاف يهدف إلى “العودة” إلى مستوطنات “غوش قطيف”. وما رصدته التقارير الحراك الذي يقوده رئيس مجلس “السامرة” الإقليمي الاستيطاني يوسي داغان الذي يؤثر على مجموعة من المنظمات. وهو ما تسبب يومها برفض رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو الذي رفض العودة الى المنطقة واعدا بأن شمال القطاع سيكون “منزوع السلاح”، ولن يكون هناك تهديد من القطاع لاسرائيل” ولكنه في الوقت عينه قال نتانياهو لهم “لكي يحدث هذا، هناك حاجة إلى بسط سيطرة إسرائيلية أمنية كاملة على قطاع غزة”.
ونتيجة لهذه المخاوف تعزّزت الشكوك من احتمال أن تنعكس السيطرة الإسرائيلية على معبر فيلادلفيا على الحركة على معبر رفح المخصص للمساعدات الانسانية والمدنيين كمعبر وحيد مع مصر قبل فتح معبر “كرم أبو سالم” الذي حدد سلفا للمساعدات فقط . وعليه، فإن التحضيرات العسكرية المصرية على الجانب الآخر من الحدود منذ أن استهدفت اسرائيل مراكز لها ولم ينفع الاعتذار في تخفيف الهواجس المصرية مما هو متوقع من تهجير، خصوصاً أنها ترافقت وشائعات عن بناء مستوطنات متطورة في سيناء لاستيعاب الفلسطينيين بشكل مؤقت قد يؤدي الى تحولها دائمة كما حصل من قبل.
وتختم المراجع الديبلوماسية الى القول إن مثل هذه المخاوف لها ما يبررها ولكن الرفض المصري حتى اليوم يوحي بصعوبة تحقيق أي نية اسرائيلية في هذا الإتجاه. وهو أمر لا يسقط ما لم تستدرج مصر الى الحرب إن تزامنت مع اغراءات تؤدي الى مساعدة القيادة المصرية على تجاوز الازمة الاقتصادية والمالية فيها، وكلها تطورات في حال توقعها قد تقود الأردن الى مواجهة مماثلة إن استكملت المشاريع اليهودية بتهجير أبناء الضفة الغربية الى الجانب الشرقي الاردني منها. وهو ما يؤدي الى سيل من هذه المخاوف التي تؤرق كثر في واشنطن والمنطقة.