كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
عند حدود “ادعاء كاذب” وإصدار “المدعى عليه” بيانا ينفي فيه كل ما ورد في الإدعاء أقفل ملف الدعوى الذي تقدمت به هيئة “ممثلي الأسرى والمحررين”، ضد كل من راعي أبرشية حيفا النائب العام البطريركي على القدس والأراضي المقدّسة، وعمان واراضي المملكة الاردنية الهاشمية المطران موسى الحاج، والمطران كميل سلامة وهذه المرة بتهمة تواصلهما مع الجيش الإسرائيلي، “مؤكدةً أنها ستلاحق كل مطبع ومتعامل مع العدو أمام المراجع القضائية المختصة”.
سيف الإدعاء المصلت على المطران الحاج بات مثل قصة إبريق الزيت الذي يتجدد مع كل عظة أو خطاب للبطريرك بشارة الراعي. وكأن المقصود إسكات صوت بكركي من خلال اتهام راعي أبرشية حيف والأراضي المقدسة تارة بلقاء الرئيس الإسرائيلي وطورا بتوقيفه عند بوابة الناقورة بتهمة نقل أموال من داخل الأراضي المقدسة ومساعدات.
حصل ذلك في 18 تموز 2022. يومها قامت الدنيا ولم تقعد، وعلت أصوات الإحتجاجات سياسيا وروحيا وشعبيا قبل أن يتم سحب القضية من التداول وينطفئ وهجها في ظل اشتعال جبهات وأزمات سياسية أخرى .
الاتصالات التي أجريت بعيدا من الأضواء آنذاك انجزت مهمتها لاقفال ملف توقيف المطران الحاج لكن الإدعاء عليه من خلال اخبار كاذب يشير إلى ما هو أبعد من استهدافه شخصيا. المقصود التصويب من ورائه على بكركي ومواقفها والضغط على الكنيسة في محاولة لتطويعها واخضاعها.
صمت المعنيين ومحاولات تلطيف الأجواء ووقف الحملات الشاجبة للإدعاء على المطرانين الحاج وسمعان لم تمنع الأول من إصدار بيان نفى فيه أن يكون التقى الرئيس الإسرائيلي مع وفد الأساقفة بمناسبة الأعياد، وأكد “عدم تلبيته الدعوة السنوية التي يوجهها المسؤولون الإسرائيليون لمعايدة ممثلي الكنائس في الأراضي المقدسة”، لافتاً إلى “أن البطاركة والأساقفة الذين لبوا الدعوة، حملوا قضيتهم إلى المسؤولين الذين التقوهم، واستنكروا بوضوح الأعمال العسكرية التي تحصل في فلسطين”.
مصادر كنسية أكدت أن الجهات التي تقدم في كل مرة على “اتهام المطران الحاج” إنما تبغي التسلية والتعمية. وتؤكد أن “هذا الموضوع يخص الكنيسة الجامعة وأي تصرف يقوم به المطران الحاج لا يكون على مستوى حزبي .فالكنيسة لديها رسالة والحاج تم تعيينه بإيعاز من الفاتيكان وبكركي ليكون راعي ابرشية تضم شعبا من الطائفة المسيحية ويتبع الكنيسة الكاثوليكية إضافة إلى توليه مهام الإشراف على الإدارات والمؤسسات التابعة للكنيسة. وبالتالي فإن ما قام ويقوم به المطران الحاج هو من ضمن المهام الموكلة إليه”. وتختم المصادر الكنسية”نحنا مش جايين نطبّع والبطريرك قال كلمته في هذا الشأن ونقطة على السطر”.
المؤكد أن لا الكنيسة ولا أحبارها ملزمون بتقديم شهادة في الوطنية ، وبالتالي فلن يرضخوا إلى حملات التخوين والترهيب المشبوهة التي تحمل في طياتها رسائل موجهة إلى بكركي وسيدها. بالتوازي وبعد صدور بيان ينفي فيه الحاج لقاءه مسؤولين إسرائيليين بات السؤال من هي المرجعية القانونية التي تحاسب من ادعى زورا وافتراء على المطران الحاج؟
النائب في كتلة الجمهورية القوية جورج عقيص يوضح أنه” يجب أن يُنظر إلى راعي أبرشية في الأراضي المقدسة من زاوية أنه ينفذ مهمة رعوية ودينية. ووحدها بكركي مخولة في توضيح كل هذه الأمور بشكل علني وحاسم وقاطع منعاً لاستغلال مهام راعي الأبرشية في الأراضي المقدسة”.
وإذ يؤكد عقيص بأن ما يقوم به راعي الأبرشية لا يكون من تلقاء نفسه إنما “كمرجع ديني” إلا أنه يشدد على ضرورة أن ترسم بكركي الحدود القانونية إنطلاقا من القانون الكنسي وأن تحدد دور راعي الأبرشية وكيفية تعاطيه مع أبنائها وحدود ممارسة دوره القانوني والروحي وإبلاغ القضاء بذلك لطي هذه الصفحة والحؤول دون تحويلها إلى قميص عثمان خصوصا أن المقصود من هذه الحملات التخوينية المتكررة تخوين المسيحيين، في حين أن النواب والمسؤولين والأحزاب المسيحية لا يزالون على موقفهم الواضح والصريح بأنهم مع الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومع حل الدولتين “.
ويختم عقيص”آن الأوان لتتوضح الأمور بشكل نهائي وأن يمارس راعي أبرشية حيفا ما هو مطلوب منه من دون أي قيود”.
بحسب المادتين 402 و403 عقوبات يحق “لكل من نسب لآخر أي وقائع أو حرّك أجهزة قضائية ضده بوقائع كاذبة، الإدعاء على الجهة التي نسبت إليه هذه الوقائع والأخبار الكاذبة”. بهذه المواد القانونية يبدأ المحامي يوسف لحود تحديد الجهة التي يحق لها الإدعاء على الإفتراء. ويقول لـ”المركزية” من له صفة الإدعاء هو المطران الحاج شخصيا لأن الإدعاء عليه كان شخصيا وقد نسبوا إليه وقائع غير صحيحة. أما بالنسبة إلى بكركي فيحق لها الإدعاء لكن من باب الإساءة والتعرض لأحد المطارنة التابعين لها. وهنا يضيف لحود أن المسألة تستوجب التوسع في الإجتهاد “ولا أظن أن لدى بكركي النية في ذلك”.
“في حال صح الإفتراء على المطران الحاج ولم يشارك في اللقاء مع الرئيس الإسرائيلي يكون الإفتراء موجودا، وفي حال لم يثبت ذلك يفترض البحث في المرجعية القضائية التي ستتولى الملف هل يكون القضاء العسكري أم الكنسي”. وحول إمكان إحالة الملف على القضاء الكنسي يشير لحود إلى القانون اللبناني الذي ينصُّ “على تجريم التطبيع والتواصل مع الجيش الإسرائيلي بشكل واضح وصريح وبكل أشكاله” لا يستثني رجال الدين. وأي تعديل يستوجب تعديلا بموجب مرسوم صادر عن مجلس النواب وإلا تبقى الأمور مبهمة”.