Site icon IMLebanon

هل دُقّ ناقوس الحرب الشاملة؟

Israeli mobile artillery fire into Lebanon 07 August 2006 at a military position located along the Israel-Lebanon border. Israeli warplanes killed 11 civilians in new bombing raids across south Lebanon early 07 August after Israel suffered its deadliest day of Hezbollah rocket fire amid faltering international efforts to end the conflict. AFP PHOTO/MENAHEM KAHANA (Photo by MENAHEM KAHANA / AFP)

كتب تمجيد قبيسي في “اللواء”:

شهدت الحرب الراهنة منعطفاً جديداً بعد إستهداف الجيش الإسرائيلي غيلةً الشيخ صالح العاروري ومن معه في الضاحية الجنوبية لبيروت عشية كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى استشهاد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لتُفتح صفحةٌ جديدةٌ للمحاولات الإسرائيلية لجّر المنطقة نحو حربٍ شاملة لإبعاد الأضواء المسلّطة على فشلها في غزة، وهذا بعد أقل من 10 أيام على محاولة إقحام إيران عن طريق اغتيال الشهيد رضي موسوي في سوريا كمسعى لجّر واشنطن أوتوماتيكياً، لكن المفارقة اليوم هي جغرافية الاستهداف أي في قلب الضاحية الجنوبية كخرقٍ للقواعد المرسومة المرسّخة منذ العام 2006، والتي تستوجبُ ردّاً حازماً وتدقيقاً في هذه المرحلة وسط غموضٍ يحوم حول مشهد الحرب في الأيام المقبلة.

فما هي السيناريوهات المحتملة للرد؟ هل من تصعيدٍ محتمل على الجبهة الجنوبية او جبهة الضفة الغربية أم الاثنتين في آن معاً؟ هل أُعطي ضوءٌ أخضر أميركي لهذا الاستهداف؟ كيف ستتعامل حركة حماس؟ ما الاتجاه الذي سيسلكه حزب الله؟ وإلى أين ستؤول المفاوضات؟

عند سؤال المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي عن عملية الاغتيال بُعيد تنفيذها، أجاب بوضوح ان تركيز إسرائيل هو على حركة حماس وليس حزب الله، إلّا انه من الواضح ان الجيش الإسرائيلي وبعد انقضاء ٩٠ يوما على طوفان الأقصى لم ينجح في تحقيق أي مكاسب أو انجازات عسكرية في غزة، كما انه فشل في حرب الصورة التي تعتبر ركيزة أساسية له في انتهاكاته، ليعتمد بهذا سياسة خلط الأوراق في المنطقة ويتخذ قرار توسيع الحرب بشكلٍ مؤقت رغم عدم إمكانيته خوضها، ليتأهّب مجلس الأمن الدولي ويوقف بدوره الحرب، لكنه من الواضح أيضاً ان حزب الله وإيران وباقي أطراف محور المقاومة على يقظة من هذا المخطط، ليكون أي رد سيُتخذ مدروسٌ من كافة جوانبه وأبعاده تحديداً.

في إطار الردود والسيناريوهات المحتملة فمن المؤكد أنه لن يُدخل المنطقة في حرب شاملة تُنقذ إسرائيل وتخرجها من مأزقها، وعليه قد تتكفل حركة حماس بدايةً بالرد عبر استهداف شخصية إسرائيلية وازنة، ويتلقّى الإسرائيلي بهذا الصفعة الأولى منتظراً الصفعة الثانية الجغرافية عبر رد حزب الله، وتكون الكرة فعلياً في ملعب السيد حسن نصرالله، وقد لا تقتصر على الجغرافية، فمن المرجح أن يسلك حزب الله مسار كسر قواعد مرسومة أخرى، فتكون المعادلة «كسر قاعدة بكسر قاعدة».

في هذا السياق تعتبر سيناريوهات التصعيد على جبهتي جنوب لبنان والضفة الغربية ردّاً استراتيجياً وتكتيكياً يُغرق الإسرائيلي أكثر فأكثر في مستنقع الأزمات العسكرية والسياسية، وخصوصاً أن العاروري هو من مؤسسي كتائب القسام في الضفة ومسؤوليها، وهذا ما استشعره الإسرائيلي فور تنفيذه عملية الاغتيال عبر استكمال اعتداءاته على الضفة الغربية بوتيرة أعلى من الأيام المنصرمة واقتحامه مخيمي نور شمس طولكرم وتعمّد محاصرة المستشفيات، أما على جبهته الشمالية فقد اتخذ عدة قرارات خلال الاجتماع المصغّر بين نتنياهو وغانتس وغالانت وأبرزها تعزيز منظومة القبة الحديدية على طول الحدود مع لبنان والجليل بالإضافة الى رفع حالة التأهّب على طول الحدود مع لبنان، كما أن هناك معلومات تؤكد أن تلك الألوية التي سحبها منذ قرابة الأسبوعين من قطاع غزة قد أرسلها الى الشمال.

في الغضون تسعى واشنطن بدورها لإغلاق ملف الشرق الأوسط، وهنا تظهر الانشقاقات العمودية ونقاط الخلاف في الرؤية مع حكومة إسرائيل، ففي وقتٍ تتخذ به إسرائيل خطوات تصاعدية وتستكمل فشلها الروتيني في غزة لإطالة أمد الحرب الراهنة خشية محاكمتها بسبب الاخفاقات والمجازر المرتكبة، جاء تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار مستشاريه من صعوبة تحقيق أهداف إسرائيل العسكرية في غزة في خضم اشتداد الغضب العالمي بسبب حجم المعاناة الإنسانية في القطاع، كما ان بايدن ووزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي ألغى زيارته المقررة لإسرائيل، حذّروا من تآكل الدعم الذي سينتج عنه عواقب استراتيجية وخيمة.

وخلف الكواليس يرى مسؤولون أميركيون أيضا أن الوقت المتاح لإسرائيل محدود لمحاولة تحقيق هدفها المعلن المتمثل في القضاء على حماس في عمليتها الحالية قبل أن تؤدي الضجة حول المعاناة الإنسانية والخسائر في صفوف المدنيين، والدعوات إلى وقف إطلاق النار إلى حدوث تحوّل، ويعتقد بعض المستشارين المقرّبين لبايدن أنه لم يتبقَّ سوى أسابيع وليس أشهر، قبل أن يصبح رفض الضغوط للدعوة علنا لوقف إطلاق النار أمراً لا يمكن الدفاع عنه.

وبهذا يتضح مدى خشية واشنطن من توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط، وعليه جاءت المطالبة الأميركية بالانتقال من الحرب الكثيفة الى حرب الاغتيالات الجراحية الموضعية، ليتبيّن ان الأميركي شريك أساسي إداري لهذا الاستهداف ولم يقتصر دوره على إعطاء الضوء الأخضر فحسب، كما ان السيناتور الأميركي بيرني ساندرز دعى عقب عملية الاغتيال الى وقف التمويل الأميركي لحرب نتنياهو على الشعب الفلسطيني، واصفاً إياه بغير الأخلاقية!

ستشهد المرحلة المقبلة مروحة اتصالات واجتماعات للتخفيف من وطأة وحدة رد المقاومة على اغتيال العاروري، وأبرزها زيارة هوكشتاين لبنان، الذي سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري حاملاً بجعبته ضمانات أميركية فيما يتعلق بملف الترسيم البري ونقاط التحفّظ الـ١٣، كما الـ١٧٠١ لكن المقاومة ومن المعروف عنها انها لا تساوم، ورفضت سابقاً المقايضة على رئاسة الجمهورية لتحقيق مكاسب سياسية مقابل تخلّيها ولو بشبرٍ واحد عن قضيتها الأساس.