كتبت كارول سلوم في “اللواء”:
يتراجع الاهتمام بأي ملف في لبنان أمام تطورات جبهة الجنوب وما تستتبعها، وهذا هو حال الملف الرئاسي أو غيره. فالمسألة هنا تتصل بالأمن وبتصعيد وبتهديد بحرب لم تنتهِ، وهذا التصعيد نفسه يتسابق مع الجهود الديبلوماسية التي تنطلق بهدف إرساء تهدئة ما، حتى وإن بدا الأمر مستبعدا بعد حادثة الضاحية التي سيكون لها رد بطبيعة الحال وفق المعطيات، انما يصعب التكهن بالتوقيت والطريقة.
لبنانياً، لا يزال الترقب سيد الموقف لاسيما أن هناك كلمة ثانية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في غضون أيام قليلة، وإذا كان البعض يتوقع أن تكون كسابقاتها إلا أنه في المقابل يبقى انتظار مضمونها قائما للبناء عليه. وبالنسبة إلى الشق الرئاسي، فلا تزال اجواء المراوحة هي الطاغية ويمكن القول أن الملف القابع في ثلاجة الإنتظار لم يتزحزح سنتمترا واحدا، وكما كان متوقعا لم يشهد الأسبوع الأول من العام الجديد أي حركة متواضعة في هذا المجال، وبدا أن ما من أرضية تحضيرية لذلك، مع العلم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري بصدد العمل على مسعى في هذا الملف ضمن إطار المشاورات مع الأفرقاء المحليين، دون ذكر موعد لها، فهل أن ما استجد من اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري فضلا عن قادة آخرين اعاق التحرك الرئاسي، ام أن المسألة معلقة إلى حين بلورة نتائج زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتين الذي يعمل على الخط الديبلوماسي ومنع التوتر.
وتلفت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» إلى أن انكفاء الحديث عن الاستحقاق الرئاسي في الوقت الراهن لا يعني أنه لن يحضر في فترة لاحقة في ضوء التحضير لآلية جديدة لبدء التعاطي في هذا الملف، فالمشاورات التي المح إليها الرئيس بري قيد الدرس، وهناك من يعارضها من قبل القوى التي سبق وأن رفضت الحوار، فهل أن هذه المشاورات ستكون نسخة مختلفة عن المعنى المتعارف عليه للتشاور، وما هي الأفكار وهل من بنود للنقاش، لا يبدو وفق هذه المصادر أن أي صيغة من هذا القبيل تشق طريقها طالما ان الكتل النيابية المعارضة متمسكة بمفهوم جلسة الإنتخاب وما يقتضيه العمل البرلماني في هذا السياق والنص الدستوري، معلنة أن التريث في إطلاق المجال أمام أي تشاور مرتقب مردُّه إلى تلمُّس الاجواء بشأن نجاح أي مبادرة جديدة على الخط الداخلي فضلا عن معرفة ما ستؤول اليه تطورات الجنوب والحرب في غزة.
وترى هذه المصادر أن الحراك المحلي وفق التوازنات النيابية التي أظهرت ما أظهرته من انعدام التوصل إلى انتخاب رئيس الجمهورية لن يقوم، ما لم تتأمن فرصة تغيير في التوجهات من أحد الأفرقاء الذين يمثلون الأكثرية، وهذه مسألة بعيدة المنال حاليا، لأن أي فريق يضع حسابات معينة ومصالح محورية قبل أن يسلك منحى جديدا، أما بالنسبة إلى الاتصالات الخارجية من خلال احياء مساعي اللجنة الخماسية فلا شيء جوهريا بعد.
ولعل اللجنة لن تقدم على شيء جديد طالما أن الأزمة على حالها والوضع في غزة وانعكاساته يتطور، في حين أن الكلام عن المقايضة بين القرار 1701 والملف الرئاسي لم يتم تبنيه وجرى تسويقه والتراجع عنه، وهو في الأصل محور رفض لبناني، وبالتالي هذا الطرح ولد ميتا، مشيرة إلى أنه في حال تم التقاط إشارات حول حراك خارجي تجاه الملف الرئاسي فإن القنوات الداخلية تنشط لملاقاتها، وهذا الأمر يتضح في غضون أسابيع أو أقل، وبالتالي فإن تزخيم الاستحقاق الرئاسي مرتبط بمدى جدية وضعه في أولويات البحث، وقد تكون هذه النظرية بشأن ربط الاتصالات المحلية والخارجية غير دقيقة بالنسبة إلى البعض، وإنه ربما تتحرك المبادرات المحلية قبل، خصوصا أن ما من مواعيد محددة لزيارة أي مسؤول خارجي يعمل على هذا الملف، إلا أنها تبقى واردة، لا سيما من قبل القطريين والفرنسيين.
وردا على سؤال عن إمكانية أطاحة التطورات الطويلة المدى بهذا الاستحقاق، فإن المصادر نفسها تعرب عن اعتقادها بأن المسألة قد تصح لأنه حينها تنصب الانشغالات الدولية والأقليمية بهذه الأحداث مع العلم أن العالم مقبل على استحقاقات قد يتطلب معها وقف الحرب ومنع أي توسع لها.
في المحصلة، وانطلاقا مما افتتح به العام الجديد وما قد يستجد، فإن الملف الرئاسي لن يجد له سبيلا وسيظل في سياق إجراء محاولة لإخراجه من الأفق المسدود، وأي تطور معاكس يصح القول عنه مفاجأة حقيقية.