Site icon IMLebanon

هل يقبل “الدستوري” الطعن بالتمديد للقادة الأمنيين؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

بفارق أيام قليلة عن نهاية الولاية السابقة لقائد الجيش العماد جوزف عون قبل تمديدها مطلع الشهر الماضي، تتجه كتلة نواب “لبنان القوي” للتقدم بالطعن أمام المجلس الدستوري بالقانون الذي تم بموجبه تأجيل تسريح قادة الاجهزة الامنية والعسكرية عاما واحدا وفق مجموعة من المعطيات الدستورية التي اعتبرت من خلالها الكتلة ان القانون لا يتطابق والمقتضيات الدستورية، في وقت اجمعت الكتل النيابية الاخرى انه يتوافق وابسط مقتضيات المرحلة من النواحي الدستورية قبل السياسية ولا سيما في ظل المناكفات التي رافقت البت بهذا الموضوع مراعاة للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد والتي لا يمكن تجاهلها او استبدالها بمنطقة المناكفات السياسية وربما “الحقد السياسي” الذي عطل الكثير من مشاريع الحلول لمجموعة من الأزمات قبل ان تتراكم وتتناسل الى ان باتت تلامس مختلف اوجه حياة اللبنانيين.

وامام مجموعة الفتاوى الدستورية التي اصدرها خبراء البلاط في اكثر من جهة، اجمعت مراجع دستورية وسياسية عبر “المركزية” على التأكيد ان لا يمكن تجاهل ان ما ادى الى اصدار هذا القانون فرضته الظروف الامنية والعسكرية التي تعيشها البلاد والمنطقة على وقع العدوان الإسرائيلي الجاري في غزة والحرب المفتوحة في الجنوب في ظل خلو سدة الرئاسة من شاغلها منذ عام وشهرين بوجود حكومة تصريف اعمال تفتقد ثقة المجلس النيابي الذي عجز منذ بداية ولايته الدستورية في 22 حزيران 2022 عن اتمام اولى واجباته لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية عند نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون مطلع تشرين الثاني من العام عينه قبل القيام بأي عمل آخر. وقد حالت المناكفات السابقة بين اهل المنظومة دون تشكيل حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية في ظل معرفة أركانها بكامل أطرافهم بما يترتب على عدم القيام بهذه المهمة ومخاطرها على الحياة الدستورية والسياسية والكيانية في البلاد، فاحتفظوا بحكومة غير مكتملة بمواصفاتها الدستورية وجاء قرار قبول استقالتها قبل نهاية العهد بساعات قليلة على رغم من فقدانه الشرعية الدستورية ليزيد في الطين بلة.

وسط هذه المؤشرات، ثمة من يريد التأكيد على مبدأ المناكفات السياسية، فيقترح بكل بساطة ان يتقدم تكتل “لبنان القوي” بالمراجعة أمام المجلس الدستوري لإبطال قانون تأجيل التسريح في العاشر من كانون الثاني الجاري تاريخ نهاية ولاية قائد الجيش، مستندا الى جملة من المعطيات التي لا تراعي في أي منها ما تعيشه البلاد من ظروف استثنائية، وما يتهدد مؤسساتها الادارية من انحلال شلها وحال دون ان تقوم بمهامها لتوفير أبسط حقوق اللبنانيين في ظل من اراد عن سابق تصور وتصميم بأن يعم هذا الشلل المؤسسات العسكرية التي تعمل بالحد الادنى من مقوماتها رغم حجم المهام الملقاة على عاتقها، ولا سيما الجيش اللبناني، بعدما عبر عن صمود لا يمكن تجاهله مخافة ان يفتقد اللبنانيون أداة حفظ الامن في البلاد بغية تدمير ما تبقى من مؤسسات سبق لهم ان بدأوا بتدميرها قبل ان تركوا مواقعهم الدستورية .

وقياسا على ما تقدم من المعطيات، فإن المراجع السياسية المحايدة رغم ندرتها، تؤكد استنادا الى مراجع دستورية محايدة ايضا، ان على رغم الخلافات التي اظهرتها الفتاوى الدستورية المعلن عنها حتى هذه اللحظة – والتي جهد خلفها البعض ممن يمزجون بطريقة سافرة بين السياسة والقانون والدستور – انه كان من الواجب الوطني ان يقدم المتناحرون مبدأ “المصلحة العامة” على ما عداها مما جاءت به الآراء والفتاوى الدستورية المتناقضة من عوامل الشقاق بين اللبنانيين، خصوصا انه لم يعد خافيا على احد ما رافق هذه المناقشات من مواقف ابعدت الشأن الدستوري وجعلته مطية تغلف ما هو قائم من خلافات سياسية عبرت عن كمّ من الرغبات والأمنيات المستحيلة وقد بلغت مرحلة متقدمة من الحقد الشخصي الذي يعمي العيون والقلوب وجعلت اي مسعى لتجاوز بعض الاستحقاقات الوطنية الكبرى ابعد مما يتصوره عقل دستوري او سياسي يمكن ان يتمتع به اي رجل دولة ان وجد من ضمن الطاقم السياسي اليوم.

وبعيدا مما حملته القراءات الدستورية، فإن المجلس الدستوري ينتظر هذه المحطة مبديا الاستعداد لمواجهة الاستحقاق من ضمن المهل الدستورية من دون التعبير عن المنحى الذي يمكن ان تتخذه المشاورات وجلسات المذاكرة الدستورية التي ستكون على درجة عالية من المسؤولية للبت بأي طعن يمكن ان يتقدم أمامه ايا كانت الجهة التي تقدمت به،. فرئيس المجلس واعضاؤه مستعدون للمواجهة كما في السابق بعيدا عن الاصطفاف السياسي الحاد في البلاد. ذلك أنه لن يكون امام اي منهم سوى الخيار الدستوري الذي يمكن من خلاله تصويب الأداء ان كان هناك شطط دستوري وتصحيحه حيث يوجد، والتأكيد على صوابية ما تقرر ان كان هناك ما يدعم هذا التوجه.

وعليه، لا تخفي المراجع القانونية والدستورية بأن يتزامن الطرح المرتقب حول هذه المسألة مع مواقف حادة، مع الأمل بأن تبقى من ضمن ما يقول به القانون والدستور فالمجلس ليس في وارد تناول الموضوع من الجوانب السياسية وان اتهم رئيسه وبعض اعضائه بـ “عدم الوفاء” فعلى أصحاب هذه النظرية ان يبقوا خارج هذا المنطق وتوفيره الى حيث يمكن التعاطي بالسياسة في زمن “الرخاء المفقود” بعدما ساهموا بالإسراع به وتعميمه في أكثر من مرحلة ومؤسسة وأن ذلك لم يعد جائزا اليوم.

لذلك تنتهي المراجع نفسها لتقول ان التجارب السابقة التي عاشها المجلس الدستوري وما عبرت عنه في بعض المراحل من مناكفات سياسية ادت الى تعطيل عمله قد ولت الى غير رجعة. وان قراراته السابقة في مقاربة قضايا مماثلة – بمعزل عمن رحب ومن ادان – تؤكد بانه لن يكون مسرحا لمناكفات سياسية. فللهزائم السياسية مساحات اخرى متعددة وبعيدة كل البعد عن الأروقة الدستورية ومن أراد مثيلات لها فليتخذ منها ملعبا.