كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
مقاومون على طريقتهم، هم مسعفو الجنوب على مختلف تسمياتهم، الذين يواجهون يومياً خطر الموت جرّاء الاستهداف الإسرائيلي على القرى والبلدات الحدودية، مع التصعيد العسكري عقب عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023، وكاد العديد منهم يدفع حياته ثمناً لإنقاذهم الضحايا والجرحى. يتوزع أكثر من فريق إسعافي في الجنوب، منهم «كشافة الرسالة الإسلامية»، «الهيئة الصحية الإسلامية»، الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني، هذه الفرق تتكاتف في إنقاذ المحاصرين في منازلهم أو الضحايا أو الجرحى جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية وتتوزّع الأدوار والمهام. وقد زاد من خطورة مهام هذه الفرق الإنقاذية أنها تحوّلت أهدافاً، إذ أنّ الاعتداءات الإسرائيلية لم تستثنها كما المدنيين والصحافيين، في خرق فاضح لكل القوانين الدولية التي تعطيها حق الحماية أثناء الحروب، وقد تعرّض أكثر من فريق إلى القصف أو الاستهداف المباشر ونجا افراده من الموت وأصيب بعضهم. ومن بين هؤلاء، فريق إسعاف كشافة الرسالة الإسلامية التابع لحركة «أمل» وقد تعرّض لاعتداء مباشر بصاروخ من مسيّرة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا (5 تشرين الثاني 2023)، حيث كان ينقل ضحيتين وجريحاً مدنياً، فأصيب أربعة منهم، ما دفع فريقاً آخر إلى التدخّل لإنقاذهم جميعاً.
ويقول رئيس بلدية طيرحرفا قاسم حيدر الذي واكب الحادثة لـ»نداء الوطن»: «إنّ هؤلاء يضعون أرواحهم على أيديهم ويمضون في تلبية نداء الواجب عند حصول غارة أو استهداف ما»، وأكّد أنّ «فرق الإسعاف والدفاع المدني على استنفار وجهوزية تامة منذ التصعيد الإسرائيلي في الجنوب وهم منتشرون على خطوط المواجهة في مختلف القرى والبلدات». ولم يخف حيدر أنّ «العمل محفوف بالمخاطر، وعند أي اعتداء يقومون بالاستطلاع والكشف على المكان، ويرسلون فريق الإسعاف لنقل المصابين أو الضحايا، وإذا كان هناك حريق يتوجّه فريق الدفاع المدني في كشافة الرسالة إلى المكان لإخماده وثمّة تعاون مع الجميع». المسعف عبد رحال، واحد من الذين أصيبوا بجروح بالغة، يروي كيف نجا من الموت حين استهدف صاروخ إسرائيلي سيارة الإسعاف ولم تكن تفصل بينهما سوى أمتار قليلة فقط، يؤكد أن «المسعفين لا يلتفتون إلى المخاطر، تلبية النداء الإنساني يعلو كل شيء وعلينا أن نُنقذ أرواح الجرحى مهما كلّف الثمن وإنجاز المهمة الميدانية». حتى اليوم، لم يقتل اي مسعف، ولكنّهم يروون تفاصيل مخيفة عن نجاة بعضهم من الموت بأعجوبة، وآخرها في بلدة الغندورية حيث استهدفت سيارة الإسعاف لمنع نقل ثلاث ضحايا، وقد أصيبوا بجروح طفيفة، في مشهد مروع يتكرر مع كل اعتداء، مقابل الإصرار على مواجهة الخطر وتحدّي القصف والمسيّرات وإنقاذ الناس. وكثيراً ما يتدخّل الصليب الأحمر اللبناني بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» من أجل سحب جثمان ضحية أو مصاب ما زال في الميدان، ولم تتمكّن فرق الإسعاف من الوصول إليه بسبب استمرار إطلاق النار الإسرائيلي أو القصف، بينما تدخّل الجيش و»اليونيفيل» لنقل ضحية وجريح في محيط موقع العباد في خراج بلدة حولا أثناء استهداف فريق إعلامي. ويؤكد رؤساء مراكز الدفاع المدني أنّ الفرق تعرّضت لقصفٍ إسرائيليّ أثناء تأديتها مهامها المطلوبة في المناطق الحدودية وتحديداً عند خطوط المواجهة، موضحين أنّ عملية إخماد النيران عند خطوط التماس تتمّ بالتنسيق مع الجيش الذي بدوره ينسّق مع قوات «اليونيفيل» لتأمين سلامة رجال الإنقاذ بالدرجة الأولى. ولعل الاعتداء الأكثر دموية وحزناً في آن، تمثّل بالاستهداف الإسرائيلي لسيارة مدنية في منطقة عيناتا وأسفر عن سقوط 4 ضحايا هم: الأطفال ريماس، تالين، وليان شور وجدّتهم سميرة أيوب، حيث تمّ إرسال سيارة إطفاء وهناك كان المشهد مروعاً… ولن ينسوا الرجال المشهد طوال حياتهم.