كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لطالما كانت حركة الشوارع والأسواق في طرابلس، ولا سيما شارع عزمي التاريخي، مؤشراً الى وجود الحياة والإنتعاش في عاصمة محافظة الشمال. هذا ما كانت توحي به الأمور في سنوات خلت، قبل أن تتسلل الأزمات إليها، من جولات عنف وقتال إلى الفوضى الأمنية والسياسية والإجتماعية وغياب الخطة الإنمائية الإقتصادية لإنعاش المدينة، ما جعل اقتصادها يتراجع وعشرات المؤسسات تقفل.
لا يشبه شارع عزمي هذه الأيام نفسه، وفي غمرة المعاناة التي ازدادت بسبب الإنهيار الإقتصادي عام 2019 باتت شوارع طرابلس وأسواقها الأساسية والتاريخية تقفل عند الخامسة عصراً ليتحول ليل المدينة ظلاماً حالكاً. ويمكن اعتبار شارع عزمي والشوارع المتفرّعة منه بمثابة الوسط التجاري للمدينة وقلبها الذي ينبض. من عاصر العصر الذهبي لشارع عزمي ومتفرّعاته كان يقول «طرابلس بخير إذا كان شارع عزمي بخير».
معاناة هذه الشوارع والأسواق من الفوضى وغياب الخطط الإنقاذية للواقع الطرابلسي يدفعان بالإقتصاد الطرابلسي نحو حافّة الهاوية. يكفي اليوم أن تجول في شارع عزمي ومتفرعاته لتشاهد حجم الركود الإقتصادي وتذمّر التجار من الأوضاع، في ظل غياب المبادرات التي تعيد إحياء الوضع الإقتصادي، في حين تزدهر المناطق الأخرى حول طرابلس وتتحوّل أسواقاً تجارية تضجّ بالحركة والحياة، فينكفئ أهل هذه المناطق بعدما كانوا رواد أسواق طرابلس وزبائنها في ما مضى.
في هذا الجو الشائك أقرّ قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية ليفجّر حنق وغضب التجار في طرابلس، ولا سيما تجار شارع عزمي ومتفرّعاته، وقد نزلوا إلى الشارع قبل أيام واعتصموا رفضاً للقانون وللمطالبة بإعادة النظر فيه، إذ يعتبرونه يضيف أحمالاً الى كاهلهم وهم متعبون. رئيس جمعية تجار عزمي ومتفرعاته طلال بارودي قال لـ»نداء الوطن» إنّ واقع تجار طرابلس الصعب لا يخفى على أحد، «حتى حركة الأعياد التي انتظرناها علّها تحرّك الوضع بعض الشيء لم تكن كما نتمنّى، ثم صدر هذا القانون وكأنه أتى لمصلحة المالك على حساب مصلحة المستأجر، ولم يكن قانوناً عادلاً ولا منصفاً، ومن هنا كان اعتصامنا كتجار شارع عزمي ومتفرّعاته مع جمعية تجار طرابلس واتحاد نقابات أرباب العمل ونقابات العمال والمستخدمين في الشمال، للمطالبة بردّ هذا القانون وإعادة صياغته بما يؤمّن العدالة والإنصاف بين المالك والمستأجر».
وأضاف بارودي: «الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس نبيه بري أوقفا تنفيذ القانون، لأنّ هناك مشكلة تواجهها الدولة بسبب وجود ما يقارب 350 مدرسة تستأجرها الدولة من القطاع الخاص وإيجارات أخرى، وحسناً فعلت الحكومة برد القانون إلى مجلس النواب بانتظار أن يدرس بشكل عادل، خصوصاً أنّ ما يقارب 75 مؤسسة متضررة من هذا القانون، فيما نحن كتجار نتألم من قلّة الحركة، ولا يمكننا أن نكمل على هذا النحو، فأوضاعنا لا يعلم بها إلا الله».
وختم: «هذا القانون معدّ في فترة ما قبل الانهيار الإقتصادي، لذلك فإنّ أرقامه غير صحيحة، فالقيمة الإنتاجية وقتها كانت بحدود 8% والآن لا تتعدى 2% وكلها أسباب موجبة أيضاً من أجل ردّ هذا القانون».
التجار في أسواق طرابلس، كما يبدو، يتمسّكون بأعمالهم ومؤسساتهم فلا بديل أمامهم، على مبدأ «الكحل أحسن من العمى»، مع إقرارهم بحق المالكين أيضاً وضرورة تحقيق المساواة بين الطرفين. لكنهم بحسب ما يؤكدون لـ»نداء الوطن» لا يطلبون أكثر من العدالة والإنصاف وبقانون يحمي حقوق المستأجر كما يحمي حقوق المالك من دون تسلط أي طرف على الآخر. أما المالكون فمنهم من يعتبر أنّ الإيجارات كما هي في العقود القديمة لم تعد تلبّي مصالحهم بقدر ما تلبّي مصالح المستأجرين، وهذا ما يقود إلى معادلة يتكلم بها الطرفان، وكل منهما يقرّ بحق الآخر، وهنا على الدولة الراعية لمصالح كلا الطرفين أن تجد الآلية القانونية التي تضمن حقوق الجميع من دون تغليب كفّة أي طرف على الطرف الآخر».
توضع القوانين لحماية أصحاب الحقوق وتأمين العدالة، أما القانون الجديد فإنّ تجار طرابلس يرون أنه في حال تطبيقه من دون تعديلات، فإنه سيشكّل ضربة قاصمة للمستأجرين (التجار) قد تؤدي إلى وقف ما تبقّى من مؤسسات عاملة في شارع عزمي ومتفرعاته بكل تأكيد، ولن يكون بمقدور المالكين تأجيرها من جديد بهذه الزيادات، خصوصاً أنّ الإقتصاد الطرابلسي «يعرج»، وأي إيجار لمؤسسة بهذا الشكل سيكون ضرباً من الخسارة، إلا إذا قرر المالكون أنفسهم أن يديروا أعمالهم، ولكن حتى هذه الفكرة ليست مضمونة النجاح.