كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
فيما يقوم الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بجولة محادثات بين تل أبيب وبيروت لمنع توسع رقعة الحرب ويفاوض على تطبيق القرار 1701 وعلى تسوية الحدود البرية، يسود قلق مبرّر لدى بعض اللبنانيين وتحديداً المسيحيين من تكرار السيناريو الذي حصل مطلع التسعينات عندما سمح للنظام السوري بفرض وصايته على لبنان مقابل مشاركته بالحرب على العراق، فتعمد واشنطن ومعها الغرب على إطلاق يد حزب الله في الداخل اللبناني ووضع يده على السلطة مقابل عدم دخوله في الحرب وتأمين الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
ولكن ثمة فارقا بين التسعينات والـ 2024 حيث كانت شريحة كبيرة من المكونات اللبنانية تنظر إلى سوريا كحليف بعد انتهاء الحرب وإقرار اتفاق الطائف، فيما اليوم هناك شريحة كبيرة من المكونات اللبنانية لا تنظر إلى إيران وحزب الله كحلفاء بل كقوة أمر واقع تريد أن تفرض هيمنتها ومشيئتها على البلد بفائض قوة السلاح، وهذا ما يفسّر تمسك حزب الله بسلاحه وانتقاله من مقولة أن وظيفة سلاحه الجديدة هي للدفاع عن لبنان وليس فقط تحرير ما تبقى من أراض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وذلك استباقاً لقيام أي فريق لبناني بعد تسوية الحدود البرية بالقول إن لا موجب لبقاء سلاح حزب الله.
والمفارقة أن حزب الله الذي أدار سلاحه بعد حرب تموز 2006 نحو الداخل ونفّذ حركة 7 أيار في بيروت والجبل لاستثمار ما اعتبره انتصاراً عسكرياً في وجه العدو الإسرائيلي، فإن بعض المقربين منه لا يخفون نية الحزب بعد انتهاء حرب غزة والمواجهات على الجبهة الجنوبية لاستثمار ما جرى على الحدود من جديد في الداخل اللبناني، من دون أن يعني بالضرورة اللجوء إلى 7 أيار آخر، وإنما هذا «الصبر الاستراتيجي» للحزب له حدود وفق تعبيرهم، وهو ينفد وسيُترجم بعد انتهاء الحرب مزيداً من المكاسب في السلطة بدءاً بالرئاسة ولن يكون بمقدور أي فريق داخلي مواجهته.
من هنا، تُفهَم مسارعة قوى المعارضة وعلى رأسها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وبعده رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى رفض اعتبار رئاسة الجمهورية جائزة ترضية أو القبول بأي مقايضة مع ترتيبات على الحدود الجنوبية. حتى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل كان واضحاً في تمايزه عن حزب الله وحديثه عن تحييد لبنان عن الصراعات ورفضه تدخل حزب الله في الحرب مساندة لغزة وسقوط شهداء له «على طريق القدس» ملمحاً إلى رفض انتخاب رئيس للجمهورية من دون المسيحيين بقوله «هذه لن تمر وهذه ستشجّع على فكر التقسيم والفدرلة».
وكانت خطوة التعزية التي قام بها باسيل لقائد الجيش العماد جوزف عون بوفاة والدته بعد اتهامه بـ «قلة الوفاء وبارتكابات في قيادة الجيش» أدرجها البعض في سياق بعث رسالة تنبيه إلى حزب الله على استعداد التيار الوطني الحر للسير بخيار قائد الجيش في حال بقي الحزب متمسكاً بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وقلب المعادلات لمواجهة أي محاولة للاتيان برئيس إلى قصر بعبدا خلافاً لإرادة المسيحيين. إلا أن باسيل عاد ليوضح أن تقديم العزاء هو «واجب اجتماعي والأمور لم تتغيّر».
كل هذا يفيد أن ليس من السهولة على محور الممانعة خطف رئاسة الجمهورية وبعدها الحكومة ولاسيما في ظل وجود جبهة سنية ودرزية سيادية إلى جانب جبهة مسيحية لا تؤيد سيطرة المكوّن الشيعي على قرار الدولة اللبنانية ولو حظي بغطاء خارجي نتيجة صفقة أو مقايضة، علماً أن هناك من يقول إن الصفقات تُعقَد بين منتصرين، فيما ما يُعرَض على حزب الله هو الاختيار بين السيء أو الأسوأ، أي بين القبول بحل دبلوماسي بالحُسنى أو الذهاب إلى حل عسكري بالقوة، وبالتالي ليس الحزب في موقع يمكّنه من طلب مقايضة. وإذا كان الموفدون الدوليون يفاوضون حزب الله مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنهم يقومون بذلك كون الحزب يمتلك ترسانة عسكرية وهو أحد أطراف النزاع المسلح وليس كونه يمثل الدولة اللبنانية. ولا يستوي الكلام عن غياب المرجعية المسيحية عن التفاوض لأن أي إبرام لاتفاقية يفترض وجود رئيس جمهورية. لذلك يجب عدم الخلط بين السعي إلى منع الحرب وبين تسليم لبنان إلى فريق الممانعة الذي هو سبب الأزمة، ويجب عدم التقليل من دور الفريق السيادي وقدرته على المواجهة والمبادرة، والدليل التمديد لقائد الجيش في جلسة تشريعية بالتقاطع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري رغم كل ما رافق هذا التمديد من كلام عن ضغوط عربية وغربية لحماية المؤسسة العسكرية في هذا الظرف الدقيق.
وقد التقت على التمديد للعماد جوزف عون كتل «الجمهورية القوية» و«اللقاء الديمقراطي» والكتائب و«تجدد» و«الاعتدال الوطني» و«المردة» و«التنمية والتحرير» وتغييريون ومستقلون. ولم يضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط شرطاً للسير بالتمديد تعيين رئيس أركان درزي للجيش بل مشى بهذا التمديد لاعتبارات وطنية وحفاظاً على مؤسسة الجيش على الرغم من تمسكه بضرورة تعيين رئيس للأركان وانتظاره صدور القرار عن مجلس الوزراء. ويُدرج البعض زيارة وفد من «اللقاء الديمقراطي» إلى نجل رئيس «المردة» النائب طوني فرنجية في إطار ترطيب الأجواء لنيل موافقة وزيري «المردة» على خيار التعيين في حال طرحه باقتراح أو من دون اقتراح من وزير الدفاع العميد موريس سليم.
وفي تطور لافت، سيستضيف جنبلاط رئيس «المردة» سليمان فرنجية إلى مأدبة عشاء تقديراً له كزعيم شمالي وليس كمرشح رئاسي. وتنفي أوساط مقربة من جنبلاط أي ارتباط بين هذا العشاء وتموضع رئاسي جديد لجنبلاط لأن المختارة لم تبدّل موقفها حول ضرورة أن يكون المرشح الرئاسي حائزاً على رضى بكركي والأغلبية المسيحية، كما تنفي الأوساط أي ارتباط بين العشاء وبين موضوع رئاسة الأركان، لأن من شأن تفكير كهذا تحجيم الداعي والمدعو إلى العشاء، مع العلم أن دعوات أخرى يحضّرها رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط لقوى سياسية من بينها القوات اللبنانية ممثلة بنائب رئيسها النائب جورج عدوان الذي يلعب دوراً أساسياً في التنسيق السياسي مع القيادة الدرزية وتدعيم مصالحة الجبل.