كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
سمح توقّف هطول المطر أمس الأحد نسبياً للجيش والصليب الأحمر بالوصول إلى قرية السماقية وجوارها وتقديم بعض المساعدات للأهالي وإنقاذ العالقين في منازلهم بالمياه.
عادت المناطق على ضفاف النهر الكبير إلى العصر الحجري. كل شيء متوقف وكل الخدمات غائبة، فلا كهرباء، ولا طعام، ولا مياه… فالطوفانات اجتاحت المنازل، وكل شيء. أمس بدت قرى السماقية وحكر الضاهري والمسعودية في سهل عكار، وكأنها مناطق معزولة تماماً عن العالم وعن محيطها العكاري، وحتى شبكات الإتصال كانت مقطوعة. الوصول إلى هذه القرى في سهل عكار لم يكن ممكناً إلا بالجرّارات الزراعية، وهي ما استخدمه الأهالي من أجل التنقّل وجلب الحاجيات الأساسية، بينما عشرات السيارات غمرتها المياه، وهي مركونة أمام المنازل، وقد تعطلت بطبيعة الحال ولا يمكن تقديرأعطالها إلّا بعد أن ينحسر الطوفان.
وحده الجيش اللبناني لبّى استغاثة الأهالي وعمل مع الصليب الأحمر بالتنسيق مع البلدية على إيصال المساعدات، من مياه وخبز إلى السكان من لبنانيين ونازحين سوريين الذين تم إجلاؤهم إلى المدرسة وقاعة المسجد بعدما فاضت الخيم بالمياه، وأصبح السكن فيها مستحيلاً.
بحسب الأهالي وكبار السنّ، أنه منذ أكثر من 20 سنة لم يحصل مثل هذا الطوفان، وقال آخرون إنها مشاهد لم تحدث منذ أكثر من 50 سنة. أما بحسب مشاهداتنا، فإنّ السماقية كانت كارثتها كارثتين: فبطوفان الأمس التقت مياه نهر الأسطوان الذي يصب في أراضيها، مع مياه النهر الكبير الجنوبي المحاذي لها، فدخلت المياه إلى المنازل واستوطنت فيها، وأتلفت العديد من المزروعات والمواسم الزراعية والخسائر، كما تبدو بآلاف الدولارات، ولكن لا يمكن إحصاؤها قبل هدوء العاصفة.
رئيس بلدية السماقية السابق المهندس بلال الشمعا قال لـ»نداء الوطن»: «للأسف لم يلبّ نداءنا أحد من المسؤولين مع أنّ السماقية وقرى الجوار منكوبة بالكامل. لبّاه الجيش والصليب الأحمر ونطالب المعنيين في الدولة اللبنانية وفي الحكومة والوزارات المعنية بالإغاثة أولاً، فالكارثة كبيرة، ومن ثم بإيجاد حل للنهر الكبير بإنشاء ساتر صخري أسوة بما فعل الجانب السوري، فحمى بذلك مناطقه، ولكن نحن من يحمينا؟ سنوات ونحن نطالب ونرفع الصوت من أجل هذا الأمر، ولا من مجيب، وكأننا شعب في غير دولة، وليس هناك من يسأل عنا».
المشاهد في المنازل أيضاً كانت أشبه بكارثة بعدما اجتاحتها المياه فهناك خسائر جسيمة في كل بيت، إذ لم يبقَ أثاث ولا أدوات كهربائية، أما المزارعون فأوضاعهم كارثية وهم ينتظرون هدوء العاصفة حتى يتمكّنوا من إحصاء الخسائر.
وأعرب مزارعو المنطقة عن أسفهم لما حصل في أراضيهم وفي بيوتهم البلاستيكية. فمواسم الباذنجان والبندورة والخيار والفليفلة وغيرها، كلها أتلفت وجرّتها مياه الأمطار على الطرقات، ودخلت إلى المنازل، ومنها ما أكمل طريقه ليصبّ في البحر.
لعلّ أسوأ ما يمكن أن يحصل لقرى الحدود الشمالية المجاورة للنهر الكبير هو طوفان النهر الكبير. فهم يتخوفون من هذا الأمر، كلما جاء موسم الشتاء، لكنهم لم يتوقعوا هذه السنة أن يكون الطوفان من بداية الموسم، وهم يتساءلون: ماذا سيكون مصيرنا إذا كانت كل عاصفة ستحمل معها الطوفان هذه السنة؟ من سينقذنا كل مرة طالما الدولة غائبة؟