كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
من جنوب لبنان الى دمشق ومن العراق الى البحر الاحمر، تستثمر ايران الفارسية الشيعية في قضية فلسطين العربية السنّية، وفي كل ملف او قضية يمكن ان يقود الى فرض نفوذها وتوسيع بيكاره عبر التحكّم بمصائر شعوب الدول رغبوا بذلك كلهم ام لم يرغبوا.
على مشروعية القضية الفلسطينية واحقيتها وشلال دم ابنائها الهادر، تضع طهران اوراقاً ستوظفها في مصالحها الاقليمية والدولية، كما تقول مصادر عربية لـ”المركزية”.
في لبنان وعبر ذراعها الاشدّ حزب الله، توحي ايران للعالم اجمع انها تناصر غزة وتحمل قضيتها وتدافع عنها بجبهة مساندة بحسب توصيف امين عام الحزب السيد حسن نصرالله.
جبهة أشعلت الجنوب وهجرت اهله من القرى الحدودية ولم تترجم تهديدات اطلقتها ايران والحزب سابقا في شأن توحيد الساحات والجبهات قبل تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، فلم يتعد التوحيد مجال إشغال الجيش الاسرائيلي في جبهة معلّقة لا تبدو ستخرج من هذا الاطار، خلافا لما يهدد به الاسرائيليون ويحذر منه الموفدون الاجانب الى بيروت. والا، تسأل المصادر، لماذا تستنكف الجمهورية الاسلامية عن الانخراط في الحرب مباشرة وتكتفي بالمساندة، ولماذا لا ترسل “فيالق القدس” والحرس الثوري وسائر تنظيماتها لتمحو اسرائيل من الوجود؟ واذا كانت إيران تسعى حقاً لدعم فلسطين، فما هي أسباب تأخرها عن دعمها عسكرياً وبالمباشر، ووقف حمام الدم والمجازر التي حلت بأهل قطاع غزة، لا سيما أنها تمتلك القدرات والمؤهلات لخوض هذه الحرب؟ أم انها ترتقي بالسياسة والدبلوماسية فوق الميدان العسكري خلافا لما تعلن من مواقف تهويلية على ألسنة قادتها، وهو ما تُرجِم يوم تنصلها من ” طوفان الاقصى” في 7 تشرين الاول الماضي وحصرها بحركة حماس لطمأنة الغرب، وتحديدا واشنطن، الى انها لا تقف خلف العملية ولا علم لها بها خشية ان تفقد اوراق قوتها في ملف التفاوض النووي؟
نجحت ايران في سحب شيعة لبنان من عروبتهم وربطهم عضوياً بها بمبايعة الشريحة الاوسع منهم نصرالله ومشروعه الممانع واقناعهم بتبني قضية فلسطين إن بجبهة المساندة لاشغال اسرائيل في جبهة الشمال وشلّ ثلث قدراتها العسكرية البرية والجوية والبحرية وتجميدها، او باعتماد تسميات جذابة في هذا المجال على غرار تقديم من يقضون في المعارك جنوبا مع اسرائيل على انهم “شهداء على طريق القدس” ، وبذلك تثبت نظرية دعم فلسطين وحركة حماس، بعدما انهالت الانتقادات عليها بعدم توحيد الساحات حينما تطلب الامر تنفيذ الشعار.
ولا تكتفي ايران بمناوشات جبهة الجنوب لاقناع العالم بمناصرتها قضية فلسطين وسلب ورقتها البالغة الحساسية اقليميا ودوليا من العرب، لا سيما بعد تخاذلهم واستنكافهم عن مناصرة قضيتها الا بالمواقف وانطلاق مسلسل التطبيع مع اسرائيل، بل تحرك اذرعها الاخرى في البحر الاحمر من خلال الاستهدافات المتكررة التي ينفذها الحوثيون للسفن الغربية عبر باب المندب، بعدما ثبُت ان الصواريخ التي اطلقوها في اتجاه اسرائيل لم تحقق الهدف ولا أثّرت قيد انملة في تخفيف الضغط العسكري عن غزة. وما التصعيد الحوثي سوى محاولة اخرى من الجمهورية الاسلامية للضغط على الغرب لمفاوضتها وبيع اوراق ثمينة في المفاوضات ، الا ان الغرب تعامل مع الاستهدافات بتصعيد مماثل وشن هجمات صاروخية “مشرعَنة اممياً” على مواقع استراتيجية للحوثيين في اليمن تردد انها تحوي اسلحة ثقيلة وذخائر.
كل محاولات طهران الجارية من البوابة الفلسطينية هدفها واحد، الامساك بورقة فلسطين لاستثمارها في اي تسوية ستبرم لاحقا وتؤسس لشرق اوسط جديد ، الا انه يبدو فاتها، بحسب ما تختم المصادر، ان اسرائيل التي تطبّع مع العرب وواشنطن صديقتهم لن تعقد اتفاقيات في شأن مصير فلسطين عربية الهوية، الا مع العرب، وليس ما يعقد من اجتماعات وما يطرح من مبادرات واقتراحات حلول في الدوحة، سوى النموذج لمن ستبرم معه التسوية النهائية التي ستسحب فتيل الاشتعال في دول المنطقة ومعه ذرائع ايران للتدخل في شؤون العرب وقضاياهم.