كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تعيش الساحة الجنوبية سباقاً بين التطوّرات الميدانية والوساطات الديبلوماسية. وسجّل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين حضوراً الأسبوع الماضي، ونقل رسالة واضحة إلى المسؤولين اللبنانيين، فالولايات المتحدة الأميركية لا تريد الحرب وتعمل على حلّ سياسي وديبلوماسي. وإذا اشتعلت الحرب فسيدفع لبنان الثمن الأغلى.
تنتظر الساحة اللبنانية تظهير تداعيات زيارة الموفد الأميركي، وتأخذ السلطة السياسية تحذيراته بجديّة، لكنها لا تستطيع فعل شيء لأنها ليست صاحبة الكلمة في الميدان، وتتأثر بخطاب «حزب الله» المتعلّق بوحدة الساحات.
وتكشف كل التصريحات الغربية أنّ أحد أوجه حماية لبنان يمرّ بتطبيق القرارات الدولية، ولا سيّما القرار 1701، وانسحاب «حزب الله» من منطقة جنوب الليطاني واستلام الجيش اللبناني مدعوماً من قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل» الأمن في تلك المنطقة وبسط الدولة وحيدةً سلطتها على هذه البقعة
ويحاول «حزب الله» إحباط هذا الأمر لأنّه يعوق حركته ويحدّ قدراته العسكرية ويسحب ورقة مهمّة من يد إيران، لذلك يتمّ التصويب على عجز الجيش عن تنفيذ هذه المهمات الكبرى وعدم قدرته اللوجستية على تغطية المنطقة نظراً للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها المؤسسة العسكرية وكلّ لبنان.
وعلى الرغم من محاولة التصويب على هذه النقطة، يبقى الجيش اللبناني المؤسسة الأكثر حضوراً والوحيدة التي لا تزال «تقف على رجليها»، لكنّها تحتاج الى عدة أمور لتنفيذ مهمة كهذه بنجاح، كما تقول أوساط مطلعة على الواقع العسكري.
الأمر الأول الذي تحتاج اليه المؤسسة العسكرية هو وجود غطاء عربي ودولي، يتمثّل بقرار دولي جديد أو إعادة تأكيد المجتمع الدولي على أهمية تنفيذ الـ1701، فإذا وجد قرار كهذا وتمّ تعزيز حضور قوات «اليونيفيل»، تصبح المهمة سهلة على الجيش اللبناني.
أما النقطة الثانية الأهم فهي وجود قرار سياسي لبناني بتطبيق مفاعيل الـ1701، لكونه مفتاح أي خطوة صغيرة أو أي قرار كبير داخلي، فعلى سبيل المثال، تمّ ضبط سعر صرف الليرة على رقم 89.5 بفعل القرار السياسي وليس نتيجة إصلاحات. وإذا وُجد القرار السياسي، فلم يعد مهماً إذا نُشر 5 أو 10 أو 15 ألف عسكري لبناني جنوب الليطاني، فالأمن هو قرار سياسي، والحواجز العسكرية وحدها لا تثبّت الأمن، وبالتالي لا مشكلة في ما خصّ هذه النقطة.
ويحظى الجيش اللبناني بدعم عربي وغربي واسع، فإذا حصل إتفاق أممي وداخلي على تطبيق الـ1701 عندها لا مشكلة لوجستية أو مادية أو اقتصادية ستعوق عمل المؤسسة العسكرية. وتدفّقت المساعدات الخارجية إلى الجيش منذ عام 2019، وساهم نشاط قائد الجيش العماد جوزاف عون مذّاك في حفظ استقرار المؤسسة العسكرية ودعم أفرادها مادياً وصحياً.
وتشكّل المساعدة التي قدّمتها ألمانيا إلى الجيش اللبناني الأسبوع الماضي والبالغة 15 مليون يورو أكبر مثال على أنّ الجيش ليس متروكاً، وسبقتها المساعدات القطرية لشراء الوقود وهبات من العديد من الدول، إضافةً إلى الدعم الأساسي من الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كانت الدولة اللبنانية تعاني الانهيار، فسيتكفّل المجتمع العربي والدولي بتأمين الحاجات الضرورية لتطبيق القرار 1701 ويستطيع عندها الجيش اللبناني تطويع عناصر إضافية، وبالتالي ينتظر الجميع اتخاذ المجتمع الدولي القرار بعد اتصالات خارجية بأطراف الصراع وعلى رأسهم إيران.
لم يتنصّل الجيش اللبناني من مهمة أوكلت إليه حتّى في أصعب الظروف، فجيوش المنطقة انشقّت وضعفت بعد اندلاع الربيع العربي، بينما للمفارقة، بقي الجيش اللبناني على تماسكه رغم مرور لبنان في أصعب أزمة اقتصادية منذ نشوء لبنان الكبير، وبالتالي تبقى اللعبة السياسية هي الأهم، فإذا لم يوافق «حزب الله» على تطبيق الـ1701 عندها لا يستطيع الجيش القيام بشيء حتى لو نشر 30 ألف عنصر جنوب الليطاني. من هنا يبقى الوضع معلّقاً في انتظار ما يشهده الميدان من تطوّرات في الأيام والأسابيع المقبلة، فإما يقع الانفجار أو نشهد الانفراج.