كتب منير الربيع في “المدن”:
هل شن حرب إسرائيلية على لبنان أصبحت حتمية؟ هل كانت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين هي الزيارة التي حملت الرسالة الأخيرة ما قبل التصعيد؟
تُطرح هذه الأسئلة في معرض ملاحظات كثيرة لا بد من التوقف عندها. بعضها ذات بعد سياسي، وبعضها الآخر ذات بعد أمني عسكري. الأكيد، أن المناوشات في الجنوب اللبناني ستكون طويلة طالما الحرب في غزة مستمرة. فحزب الله استبق زيارة هوكشتاين وكل العروض التي قدمها، ليعلن أن لا نقاش حول تثبيت الحدود البرية ولا حول مزارع شبعا أو غيرها، قبل وقف إطلاق النار في غزة.
الردع المفقود
بالنسبة إلى البعد السياسي، العرض الأميركي الذي قدمه هوكشتاين حول تثبيت الحدود، وانسحاب اسرائيل من 13 نقطة متنازع عليها، بما فيها نقطة b1، والبحث في معالجة مشكلة مزارع شبعا.. كله عملياً يصب في المصلحة اللبنانية ويُعدّ انتصاراً كاملاً للبنان. ولكن ماذا عن اسرائيل؟ وهل هي وافقت على كل هذه النقاط؟ لا جواب واضحاً في ظل التخبط الإسرائيلي، وطالما أن هناك ضغوطاً كثيرة تمارس من قبل سكان المستوطنات الشمالية على حكومة بنيامين نتنياهو.
كذلك، هناك مشكلة حقيقية في الموقف الإسرائيلي تجاه سقوط منظومة الردع مع لبنان، كما في غزة. وبالتالي، لن تتمكن اسرائيل من إعادة مستوطنيها قبل استعادة هذا الردع. وهو غير ممكن من دون عملية عسكرية تنتج تفاوضاً لمعالجة كل النقاط المذكورة سابقاً.
أيضاً، لا يختلف كلام رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي عن الاستعداد لتوسيع المعركة في جنوب لبنان، إذ أعلن: “أقول لأولئك الذين ينتظرون نهاية الاحتكاك في الشمال لوقف القتال في قطاع غزة سندفعهم ثمناً متزايداً، هكذا كان الأمر، وهكذا سيمضي الأمر قدماً”. الكلام يوحي بأن اسرائيل تحضر لشيء ما بعد وقف إطلاق النار في غزة. وبالتالي، هي تعمل بعكس السياق الذي يعمل عليه حزب الله بتأكيداته المتكررة أنه بعد وقف الحرب في القطاع ستتوقف المواجهات في جنوب لبنان.
تهويل فقط؟
يبقى المستوى السياسي الأعلى في هذا المجال، وهو الموقف الأميركي، الذي لا يزال يشدد حول ضرورة منع توسع الصراع. بينما هناك ضغوط إسرائيلية كثيرة تمارس على الأميركيين لمنح تل أبيب غطاء لعمل عسكري في لبنان. هنا تصل إلى مسامع اللبنانيين رسائل كثيرة، يقول مضمونها: “إن المساعي لمنع الحرب الإسرائيلية تتراجع، ولا يمكن النجاح بها. وربما يمكن فقط تأخير هذه العملية أو الضربة، لأن القرار في اسرائيل قد اتخذ”. يستمع اللبنانيون بعناية إلى هذا الكلام، لكنهم يضعونه في سياق التهويل لخفض التصعيد ووقف المواجهات وفصل مسار لبنان عن مسار غزة.
في لبنان، هناك من يجزم بأنه لا يمكن تصديق إنعدام القدرة الأميركية على منع الإسرائيليين من شن حرب، بل القرار لدى أميركا، ولولا الموقف الأميركي لما تمكنت إسرائيل من شن هذه الحرب على قطاع غزة. لذلك يدرج اللبنانيون هذه الرسائل الدولية في خانة الضغوط التهويلية.
مؤشرات عسكرية
أما على المستوى العسكري الأمني، فالمؤشرات متزايدة وتتكاثر، خصوصاً أن إسرائيل بحاجة إلى تحقيق نصر عسكري لا نصر سياسي، لا سيما بعد الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية في قطاع غزة، التي تعني تنفيذ عمليات موضعية عسكرية أمنية.
المرحلة الثالثة هذه تشير إلى العمل خارج الحدود أيضاً، كعمليات الاغتيال التي حصلت في الفترة الماضية، سواءً في سوريا مع اغتيال رضى موسوي، أو في لبنان مع اغتيال صالح العاروري، أو لكوادر وقادة أمنيين وعسكريين في حزب الله. جزء من هذه العمليات قد يتصاعد بما سيسهم في تصعيد المواجهة. أو بالحد الأدنى، يمكن توسيع هذا النوع من العمليات لاستهداف شخصيات فلسطينية وقادة في حزب الله، فتأخذ المعركة هذا النمط وتطول.
فجر الأحد، كشف الإسرائيليون عن اشتباك مع مجموعة تسللت من لبنان باتجاه مزارع شبعا المحتلة ونصبت كميناً لقوة إسرائيلية، ما أدى إلى وقوع اشتباك أسقط خمسة جرحى من الجيش الإسرائيلي. حزب الله لم يتبن هذه العملية، ولم يعلق عليها.
هذا النوع من العمليات قد تتخذه تل أبيب كذريعة لتوسيع نطاق عملياتها، خصوصاً في حال تم التركيز على مثل هذه العمليات التي يقوم بها فلسطينيون انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، ما سيدفع الإسرائيليين للتذكير بعملية مجدو، أو للعزف على وتر خوف سكان المستوطنات من تنفيذ عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية. هنا لا يمكن إغفال تعهدات القادة الإسرائيليين لسكان المستوطنات بالعمل على فرض الأمن، وتعديل ميزان القوى لعودتهم إلى منازلهم. علماً أن حربي إسرائيل على لبنان في العام 1978 و1982، حصلتا رداً على شن عمليات انطلقت من لبنان ضد إسرائيل، وتحت شعار “سلامة الجليل”.