كتب ناصر زيدان في “الأنباء” الكويتية:
يتسابق الموفدون الدوليون للحضور الى بيروت بهدف معلن، هو تجنيب لبنان خطر حرب شاملة تدميرية انطلاقا من الجنوب، بينما يبدو أن الهدف غير المعلن لغالبيتهم هو تخفيف الأعباء عن إسرائيل، وتجنيبها خوض حربين في ذات الوقت، واحدة عدوانية وحشية على قطاع غزة في الجنوب، وثانية قد تحصل بسبب توسيع العمليات في الشمال ضد لبنان، وسيؤدي ذلك الى إرباكها، وربما خسارتها الحرب، بصرف النظر عن قدرتها التدميرية، وعن توافر وسائل القتل المتطورة لديها، لأن الطرف الذي يتحمل خسائر أكثر، ليس بالضرورة هو ذاته الذي يخسر الحرب.
يطرح الموفدون الدوليون على ما تبقى من قيادات في إدارة الدولة اللبنانية، مبادرات تتمحور حول اعتماد ترتيبات جديدة في الجنوب، تضمن ابعاد أي تواجد مسلح عن الحدود شمالا الى ما بعد نهر الليطاني، وهذا المطلب نص عليه بالفعل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701/2006، ولا يعتبر جديدا، والخروقات التي تحصل من الجانب اللبناني للقرار المذكور لا تقاس بالمنسوب المرتفع لخرقه من الجانب الإسرائيلي، لاسيما في عدم التزام قوات الاحتلال باحترام سيادة الأجواء اللبنانية وهي تنتهكها بطائراتها باستمرار.
بعض المبعوثين الدوليين يحملون بالفعل نوايا حسنة، وقد يكون دافعهم لزيارة لبنان محاولة لعدم توسيع رقعة الحرب، او تجنيب البلد المنكوب مزيدا من الخسائر والانهيارات، ومن هؤلاء وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لإدارة حفظ السلام جان بيار لاكروا وربما وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاترين كولونا وعلى درجة أقل نظيرتها الألمانية انالينا بيربوك، أما المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين فأوضح في تصريحه أنه يحمل رسالة مختلفة، ولم يخف اهتمامه بضرورة توفير أمن للمستوطنين الذين يقطنون في شمال «إسرائيل».
ما تم تسريبه من معلومات عن لقاءات هؤلاء الموفدين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ـ بصفته الرسمية وبتمثيله السياسي ـ ومع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبوزير الخارجية عبدالله بو حبيب وبقائد الجيش العماد جوزاف عون، يشير الى وحدة الموقف اللبناني، وهذا الموقف لا يخف الحرص على عدم الانزلاق الى حرب لا يتحملها اللبنانيون حاليا، ولكنهم يؤكدون أمام الموفدين ايضا، أن اللبنانيين جميعهم يقفون صفا واحدا فيما لو قررت إسرائيل شن عدوان على بلدهم، بصرف النظر عن التباينات الموجودة بينهم حول النشاط العسكري لحزب الله، وبعض القوى لا تعتبره نشاطا مشروعا، او أن قرار تحريكه ليس من الداخل اللبناني.
وكان لافتا في كلام الرئيس ميقاتي الأخير قوله «إنه لا يجوز لنا في لبنان أن نعقد أي صفقة مع إسرائيل، بينما اخواننا في غزة يتعرضون لحرب إبادة» وهذا الموقف يحمل مشاعر قومية ووطنية، لكنه يشير ضمنا الى رفض العروضات التفاوضية المطروحة.
لا يمكن إخفاء الخاصية التي يحتفظ بها حزب الله لناحية امتلاكه مع حلفائه كامل القرار الذي يحرك الميدان حربا او سلما في الجنوب، لكن هذا لا يعني أن البيئة الحاضنة للحزب، معارضة لتوجهاته، او أنها لا تؤثر بقراراته، او أنه لا يتأثر بمصالحها، وعلى العكس من ذلك تماما، فإن تمادي العدوان الاسرائيلي ووصوله الى ضواحي بيروت وصيدا، زاد من الامتعاض الشعبي المعادي لإسرائيل.
تعتقد أوساط سياسية متابعة، أن اجراء ترتيبات خاصة، او اتفاق منفصل بين لبنان وإسرائيل في هذا الوقت بالذات، يعتبر مساومة غير مقبولة على الشعب الفلسطيني، وأن نتيجة أي عدوان إسرائيلي، ومهما بلغ حجمه، لن تغير من الوقائع السياسية على الأرض على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، قد تؤدي الى زيادة حجم تأثير حزب الله بالمعادلة السياسية الداخلية.
وقف اطلاق النار في غزة والالتزام بتطبيق القرارات الدولية، لاسيما القرار 1701، خصوصا من قبل إسرائيل، كفيلان بإنهاء التوتر.