كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
الرهان على أن انتخاب رئيس للجمهورية سيكون بمثابة الطبق السياسي الأول على مائدة العشاء العائلي الذي أقامه الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لرئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية ونجله النائب طوني فرنجية، في حضور رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، وعضو «اللقاء» النائب وائل أبو فاعور، لم يكن صائباً، وهذا ما تأكد لـ«الشرق الأوسط» من مصادر سياسية متطابقة مواكبة للأجواء الحميمة والإيجابية التي تميّز بها اللقاء، الذي شكّل مناسبة للتداول في أبرز الملفات السياسية التي ما زالت عالقة، ومنها الرئاسي.
ولفتت المصادر إلى أن اللقاء لم يكن مخصصاً لمقاربة الملف الرئاسي في العمق، وقالت إنه جرى تناوله في العموميات، في سياق تداول الحضور في مجمل القضايا السياسية المطروحة، ومن ضمنها الوضع الراهن في غزة، في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي والجهود الرامية لوقفه، لما يترتب عليه من انعكاسات إيجابية تعيد التهدئة إلى الجبهة الشمالية في جنوب لبنان.
لقاء من موقع التباين
وأكدت المصادر، أن اللقاء يأتي في إطار تمتين العلاقة العائلية التاريخية التي تربط آل فرنجية بآل جنبلاط، والعمل لأجل تعزيز العلاقة وتدعيمها بين الحزبين «التقدمي» و«المردة»، من موقع التباين في مقاربتهما للأمور ذات الصلة بالوضع الداخلي، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية، وقالت إن الحاضرين تبادلوا الرأي بصراحة متناهية، انطلاقاً من تأكيدهم بأنه من غير الجائز أن يؤدي الاختلاف إلى القطيعة، كما هو حاصل الآن بين معظم القوى السياسية التي تدير ظهرها لبعضها بعضاً، مع أن الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمرّ فيها البلد تتطلب تضافر الجهود لإنقاذه من الأزمات المتراكمة التي يتخبط فيها، وبالتالي لا شيء يمنع الحوار بين القوى السياسية، بدلاً من الانزلاق نحو تبادل الاتهامات وتسجيل المواقف، وفتح الأبواب على مصراعيها لوقف الانهيار.
لذلك؛ فإن كل ما قيل استباقاً للأجواء التي سادت العشاء يأتي في سياق التكهنات والتقديرات السياسية التي لم تكن حاضرة في المداولات التي اتسم بها اللقاء، مع أن التوقيت السياسي للعشاء لا يمكن تحييده أو عزله عن حالة الاضطراب المسيطرة على البلد، في ظل ارتفاع منسوب التأزم؛ نظراً لتعذُّر انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن تلوح في الأفق حتى الساعة بوادر انفراج تدعو للتفاؤل بأن الشغور الرئاسي لن يدخل في «إجازة» مديدة.
ومع أن هناك من يتفاءل بما يتردد حول استعداد اللجنة الخماسية، المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، ومصر وقطر؛ لمعاودة تشغيل محركاتها، وهذا ما يلوّح به السفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو في لقاءاته بعدد من القيادات السياسية، فإنه من المبكر التفاؤل.
في انتظار اجتماع «الخماسية»
ويُنقل عن السفير الفرنسي، أن هناك ضرورة لانعقاد اللجنة الخماسية للخروج بموقف موحد في مقاربتها للخيار الرئاسي الثالث الذي كان دعا إليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة إلى بيروت، على أن يعود لاحقاً، كما وعد؛ سعياً وراء حض الكتل النيابية على التوافق على المواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس العتيد، من دون الدخول في الأسماء.
لكن الكتل النيابية لم تتبلغ حتى الساعة بموعد عودة لودريان، ولا بموعد انعقاد اللجنة الخماسية، مع أن البعض في لبنان يروّج كلاماً عن وجود رغبة فرنسية بعقد اجتماع تحضيري يقتصر على ممثلين لكل من فرنسا والسعودية وقطر؛ بغية التوصل إلى توحيد الرؤية لقطع الطريق على لجوء بعض الأطراف اللبنانية إلى نسب مواقف لهذه الدولة أو تلك من أعضاء الخماسية، على أن يصار إلى إدراجها على جدول أعمال الاجتماع الموسع للخماسية.
ويبقى السؤال: هل ستجتمع الخماسية، أكان اجتماعها ثلاثياً أو موسعاً ومتى، لإعادة تحريك الملف الرئاسي، ووضع الكتل النيابية أمام مسؤوليتها في إخراج انتخاب الرئيس من التأزم، وللتأكد من مدى استعداد «حزب الله» لتسهيل انتخابه في ضوء الموقف الأخير لأمينه العام حسن نصر الله، الذي تعاملت معه المعارضة على أنه يضع الملف اللبناني في ثلاجة الانتظار إلى حين جلاء الموقف على الجبهة الغزاوية؟
ما قصده نصر الله وبري
وفي هذا السياق، سارعت مصادر سياسية رفيعة محسوبة على محور الممانعة إلى تفسير ما قصده نصر الله، بقولها إن إصراره على تلازم المسار بين غزة وجنوب لبنان يأتي في إطار الضغط لوقف العدوان على غزة. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب لا ينظر إلى موقف أمينه العام من زاوية أنه يريد تعطيل انتخاب الرئيس؛ الأمر الذي سيستدرجه إلى اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي الذي يتلاقى في موقفه مع الأكثرية في الداخل بدعوتها لإنجاز الاستحقاق اليوم قبل الغد؛ لأنه لم يعد للبنان القدرة على التعايش مع الفراغ الرئاسي، في ظل تدحرجه نحو الانهيار الشامل.
وبكلام آخر، فإن نصر الله، وإن كان لا يزال على موقفه بدعم ترشّح فرنجية للرئاسة الأولى، فهو لن يغلق الأبواب أمام إنضاج الظروف السياسية، لعلها تأتي برئيس يرتاح له ويدعوه للاطمئنان بحماية ظهره ولا يطعنه من الخلف.
في المقابل، تجزم مصادر قيادية في المعارضة بأن ما صرح به أخيراً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بأنه لم يعد من مرشح للرئاسة سوى فرنجية، وبالتالي فلنذهب إلى انتخابه، ليس دقيقاً، وتكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزير السابق جهاد أزعور لم يقرر حتى الساعة العزوف عن الترشح، وتقول إنه ماضٍ في ترشحه، وهذا ما أبلغه لعدد من النواب الذين التقاهم خلال وجوده في لبنان لتمضية عطلة الأعياد.
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تتأكد مما إذا كان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل صامداً على تقاطعه مع المعارضة بدعم ترشيح أزعور، وقالت إن المؤكد في موقفه عدم تأييده لفرنجية، ورفضه لأي ربط بين غزة وانتخاب الرئيس؛ لما يترتب عليه من تداعيات سلبية سيكون المستفيد منها من يراهن على تمديد أمد الشغور الرئاسي.