كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
عند كل عاصفةٍ هوجاء تتكرّر مأساة أهالي القرى الحدودية الشمالية في سهل عكار المحاذي للنهر الكبير. فعند ارتفاع منسوب المياه، يفيض النهر على الأراضي والمنازل متسبّباً في الكثير من الخسائر والأضرار.
هي مأساة عمرها سنوات، لكنّ قوّتها تتفاوت بين سنة وأخرى، ولو أن خسائرها ومخلّفاتها هذه السنة كانت الكبرى على الإطلاق بحسب أهالي المنطقة، وهذا ما تؤكّده مجريات العاصفة في الجانب السوري أيضاً، إذ إنّ ارتفاع منسوب مياه النهر ارتفاعاً كبيراً، جعل مياهه تغمر المناطق المجاورة بريف طرطوس على الجانب السوري على الرغم من وجود الساتر.
فما قصة النهر الكبير؟ ولماذا يُحدث طوفانه كل هذه الخسائر؟ تجدر الإشارة إلى أنّ النهر الكبير أو (النهر الكبير الجنوبي، كما يسمّى في سوريا)، هو نهر مشترك بين لبنان وسوريا، ويشكّل حدّاً في مناطق جريانه. يمتدّ على طول 56 كيلومتراً بين حدود سوريا (مدينة طرطوس) وحدود لبنان من جهة الشمال حيث يصبّ في البحر عند العريضة، وتقع العديد من قرى سهل عكار على ضفافه، كالسماقية وحكر الضاهري والعريضة والمسعودية… وفي بلدان أخرى يعتبر وجود الأنهار نعمة لتزويد الأراضي والبلدات المجاورة بمياه الري وغيرها من الفوائد، إلا أنه في لبنان وبفعل الإهمال والأداء الرسمي السيّئ صار نقمة.
هي العاصفة الأولى لهذا الموسم وأدّت إلى فيضان وصفه الأهالي بغير المعهود منذ أكثر من 20 وحتّى 50 سنة، كما قال البعض، والسؤال: ماذا لو تكرّرت الأمطار هذه السنة بهذه النسبة، من يحمي الأهالي في القرى الحدودية على ضفافه؟
في الواقع يحدث الفيضان شتاءً عندما يزيد منسوب المياه في النهر عن قدرة استيعابه، فلا تجد المياه لها طريقاً إلا القرى المحيطة وأراضيها وطرقاتها. في أواخر العام 2011 بدأ الجانب السوري بناء ساتر ترابيّ، وصل ارتفاعه إلى حدود 8 أمتار لحماية المنطقة المجاورة للنهر من جانبه من أي فيضان محتمل. هذا الأمر وجد فيه المزارعون اللبنانيون وسكان القرى أمراً سيفاقم مشكلاتهم، لأنه عند حدوث الفيضان وبدل أن تتوزّع المياه في الاتجاهين لن يكون أمامها هذه المرة إلا اتجاه واحد للتدفّق وهو ما تمّت الإشارة إليه مراراً من قبل الأهالي وفاعليات المنطقة. إذ يقول رئيس بلدية السماقية السابق المهندس بلال الشمعة لـ»نداء الوطن»: «يجب إيجاد حلّ جذري لمشكلة النهر الكبير بدل الحلول الترقيعية، من خلال إنشاء ساتر للنهر أسوة بما فعل الجانب السوري، فحمى مناطقه، ولكن نحن من يحمينا؟». وأضاف: «سنوات ونحن نطالب المعنيين، ونرفع الصوت ولا من يجيب، كأننا شعب في غير دولة، وليس هناك من يسأل عنا. كلّ ما حصل في السابق هو بعض عمليات التنظيف لمجرى النهر، لكن حتى هذه العمليات كانت تجرى باستلشاء».
لكن بحسب الأهالي، لا تكفي إقامة الساتر، بل المطلوب «تعزيل» حوض النهر وتوسيع مجراه ليستوعب الكميات الكبيرة من المياه. والجدير بالذكر أنّ عمليات التنظيف توقفت منذ أكثر من 3 سنوات، إذ كانت الهيئة العليا للإغاثة تقوم بالمهمّة بفتح اعتماد مالي يحوّل لها من موازنة وزارة الأشغال العامة والنقل، وتسليمها لمتعهدين من المنطقة، إلى أن رُميت المهمّة آخر مرة على كاهل الجيش اللبناني. في الغضون، يأمل الأهالي من قيادة المؤسسة العسكرية لما لها من ثقة كبيرة في المنطقة، أن تتولّى مسألة إقامة الساتر الترابي من الجهة اللبنانية، وذلك لأنّ الأطراف السياسية المعنيّة لم تعر أي اهتمام لمناشدات الأهالي والسكّان منذ سنوات.
ويبدو مطلب الأهالي ببناء الساتر محقّاً للغاية، خصوصاً أنّ المنطقة تعتمد على القطاع الزراعي بشكل أساسي، ومن شأن أي فيضان أن يقضي على المواسم الزراعية ويكبّد المزارعين خسائر فادحة وهو ما حصل تماماً في اليومين الأخيرين، فبعد هدوء العاصفة، ظهر هول الأضرار الزراعية في الأراضي والبيوت البلاستيكية، حيث إنّ مواسم أساسية كالبطاطا والجزر والبصل وغيرها تلفت. ليس هذا فحسب، فطوفان النهر الكبير عزل قرى السماقية وحكر الضاهري والكنَيسة والعريضة عن محيطها بالكامل لأيام، وأصابها بنكبة وكارثة لم تشهد مثلهما منذ عقود.