كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
في خطوة استباقية لعودة المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ طارق البيطار لاستكمال عمله وفق المسار القانوني، تحركت النيابة العامة التمييزية وفقا لما اعتبرته بأن “مذكرات التوقيف التي أصدرها المحقق العدلي في قضية المرفأ لم تكن قانونية” قرر المحامي العام التمييزي، القاضي صبوح سليمان “وقف” تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس، التي أصدرها القاضي طارق البيطار في 16 أيلول 2021 ، بعد تغيب المستدعى عن جلسة استجوابه ورفضه المثول أمام البيطار.
وفي سياق متصل، وقبل إحالته إلى التقاعد، أوقف القاضي عماد قبلان مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق الوزير السابق علي حسن خليل التي كان أصدرها البيطار في كانون الأول 2021 بعد تغيبه بدوره عن جلسة استجوابه في قضية المرفأ.
استرداد النيابة العامة التمييزية مذكرة التوقيف بحق فنيانوس باعتبار “أن إجراءات البيطارلم تكن قانونية” عندما ادعى في كانون الثاني الماضي على 8 شخصيات من قادة أمنيين وقضاة واتهمه المدعي العام التمييزي غسان عويدات بجرم “اغتصاب السلطة” علما أن البيطار استند إلى “اجتهاد قانوني”،لم تحرك “غضب ” أهالي الضحايا للمرة الأولى على رغم مرور 48 ساعة على صدور القرار . وكان كأس الظلم الذي يشربونه كل يوم منذ رحيل فلذات أكبادهم ما عاد يتحمل المزيد أو لأنهم وفق المراجع القانونية يعتبرونه “عديم الجدوى”.
رئيس مجلس شورى الدولة اللبنانية السابق شكري صادر يوضح ل”المركزية” أنه”وفقاً لأحكام القانون فإن قاضي التحقيق هو من يصدر مذكرات التوقيف وله الحق وحده في العودة عنها. لكن الواضح أن القاضيين سليمان وقبلان لم يلجأا إلى القانون اللبناني لاتخاذ هذه الخطوة، إنما إلى القانون الدولي الذي ينص على ضرورة إخلاء سبيل أي موقوف في حال لم يتوافر من ينظر في إخلاء سبيله وبالتالي لا يجوز أن يبقى موقوفا إلى ما لا نهاية. وفي حال لم يتم تعيين قاضي تحقيق ثانٍ يحق للنيابة العامة التمييزية التحرك”.
استناد القاضيين إلى القانون الدولي يشكل مهزلة لأن الإعتماد كان وسيبقى على القانون اللبناني وإلا فليكن القانون الدولي المرجع القانوني في كل القضايا. عدا ذلك من يحق له وقف المذكرة هو قاضي التحقيق وحده كونه هو من أصدرها. أما اعتبار القاضي البيطار غير مؤهل ومتهم ب”اغتصاب السلطة” فهذا اجتهاد شخصي وتحديدا من قبل المدعى عليهم ومن السلطة السياسية التي تؤمن لهم الغطاء والسقف “القانوني”.
وفي هذا السياق يتوقف صادر عند نقطتين، أن البيطار أعلن منذ حوالى 6 أشهر أنه لا يزال المحقق العدلي في ملف المرفأ ولا يحق لأحد أن يرده أو أن يطلب ردّه. وهذا يعني أن البيطار لا يزال يضع يده على الملف ولم يتنحَ ولا يعترف بقرار طلب ردِّه، وعليه فإن اللجوء إلى القانون الدولي غير قانوني طالما أن البيطار لا يزال الآمر والناهي في مسألة مذكرات التوقيف. وهذا ما وسّع الشرخ مع مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات.
النقطة الثانية أن عرقلة عمل البيطار تصدر عن المدعى عليهم أي فنيانونس والخليل ورئيس الوزراء السابق حسان دياب ووزراء آخرين…فهل يجوز في هذه الحالة ان تتدخل النيابة العامة التمييزية وتوقف مذكرات التوقيف في حق من يلعب أدوار البطولة في تعطيل عمل البيطار؟
قرار القاضي سليمان استند إلى مجموعة من المواد القانونية إذ اعتبر إن المادة 363 من أصول جزائية تنص على أن “المحقق العدلي يطبق الأصول المتبعة أمام قاضي التحقيق، وللنائب العام التمييزي، بصفته نائباً عاماً عدلياً، أن يطلع على ملف الدعوى وأن يبدي ما يراه من مطالعة أو طلب”. واعتبر أن “البيطار خالف المادة 73 من أصول جزائية، التي تعطي وكيل المدعى عليه الحق بأن يدلي لمرة واحدة قبل الاستجواب بدفع شكلي من الدفوع المعددة فيها من دون حضور موكله”. كما “خالف المادة 363 أصول جزائية بعدم استطلاع رأي النيابة العامة التمييزية في الدفع الشكلي وخالف مقتضيات البند الثالث من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وبين الحق والحقيقة يوضح صادر “قرار وقف مذكرتي التوقيف مبدأي. وعندما يسترد القضاء هيبته ويتحرر من سلطة السياسة يصبح عديم الوجود لأن المرجع الوحيد هو من سطّر مذكرة التوقيف أي البيطار أو السلطة الأعلى منه وهي الهيئة الإتهامية. لكن لا سلطة تعلو هامة المحقق العدلي”.
يتابع صادر “ما حصل غير قانوني على الإطلاق لأن إمكانية اللجوء إلى القانون الدولي معطلة طالما أن البيطار يصرّح بأنه يضع يده على الملف”.
وعن المرجع القانوني الذي يحق له رد القرارين واعتبارهما غير قانونيين يشير صادر إلى أن المفتاح في يد البيطار. ويكشف بأن قرار رفع مذكرة التوقيف لا تعني أن فنيانوس والخليل باتا خارج دائرة الإتهام في جريمة المرفأ وسيبقيا ملاحقين لكن من دون أن تخيم عليهما ظلال مذكرتي التوقيف”
في انتظار ما سيصدر عن مكتب الإدعاء في ملف تفجير المرفأ والمرجّح أن يكون طعناً في قرار استرداد مذكرة التوقيف الغيابية بحق الخليل وفنيانوس “ثمة حقيقة واحدة تحرّر ملف جريمة المرفأ من أقبية الظلم واللاعدالة وتعيد دولة القانون إلى السكة”. وبسؤال معجل مكرر يختم صادر” وحده قانون استقلالية القضاء من شأنه أن يرفع استبداد السلطة السياسية عن القضاء وهو موجود في الأدراج منذ عهد الرئيس الراحل حسين الحسيني فلماذا لا يُقر؟”.