كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
الهجمة الديبلوماسية الأوروبية على لبنان تعكس، في أحد وجوهها، محاولة لعدم نقل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إليه وتوسّعه الى حرب شاملة. لكنه يعكس، أيضاً، اهتماماً بوضع النازحين السوريين وإبقائهم في لبنان.ومع الزيارتين المنتظرتين لكلٍّ من وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس وإيطاليا أنطونيو تاياني، بعد زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، تتحوّل بيروت إلى خليّة نحل ديبلوماسية أوروبية، بالتزامن مع تنشيط الولايات المتحدة لحركتها الديبلوماسية فيها.
الأميركيون يحصرون اهتمامهم، حتى الآن، بوضع الجنوب وتأمين منطقة حدودية آمنة لإسرائيل. وفيما يتحرك أوروبيون، كالألمان والبريطانيين، بتنسيق مع الولايات المتحدة في ملف الجنوب، يوسّع آخرون دائرة اهتماماتهم. والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً، بحسب المعطيات، أن الملف الرئاسي ليس أولوية لأيٍّ منهم، إذ إن الكلام الرئاسي مجرّد لازمة تتكرر، من دون أيّ أفق أو خريطة طريق واضحة تتعدّى الكلام عن تحديد مواصفات الرئيس، بل إن الأولوية هي لإبعاد شبح الحرب عن لبنان. فالدول المساهمة في القوات الدولية تسعى الى تأمين سلامة جنودها وتحييد قواتها العاملة في الجنوب، وفي الوقت نفسه تحاول تأمين أكبر تغطية ممكنة لتنفيذ القرار 1701، من دون أن ينسى بعضها موضوع النازحين السوريين.
ووفق معطيات جهات على تواصل وثيق مع الزوار الأوروبيين قبل مجيئهم الى بيروت وبعده، أن مهمة هؤلاء الأساسية لا تتعلق بمبادرة محددة، بل يقومون بنقل رسائل واضحة متشابهة عن حجم التهديد الإسرائيلي للبنان. ورسائل هذه الوفود التي تتنقل بين تل أبيب وعواصم المنطقة، سعياً الى عدم توسيع الصراع في غزة، تأخذ في بيروت طابعاً أكثر جدية. وتؤكد هذه الجهات أن لهجة الرسائل لم تتبدّل منذ ثلاثة أشهر، لجهة حدّتها وأهمية ما ينقل عن المسؤولين الإسرائيليين. لكن ما تبدّل هو نوعية الاقتراحات والأسئلة المتعلقة بكيفية مقاربة لبنان للمسائل التي يتم النقاش فيها، واحتمال انتقال إسرائيل الى مرحلة جديدة تتعلق بلبنان، علماً أن هناك اقتراحات لم تقدّم رسمياً، بل طُرحت على شكل استفسارات وأفكار للنقاش، كالكلام عن انتشار ألماني على الحدود بين لبنان وإسرائيل، على عكس النقاش المتعلق بالقرار 1701 الذي توسع النقاش فيه من تفعيله الى توسيع إطار عمله، الى تنفيذه كما كان معمولاً به منذ عام 2006، ولا سيما لجهة تكثيف الجيش وجوده في جنوبيّ الليطاني.
يسأل الديبلوماسيون عن وضع حزب الله وانتشاره بطبيعة الحال، كما يسألون عن استعداد الجيش لتغطية الأمن في الجنوب عملاً بمتطلبات القرار الدولي. وحتى الآن، الجواب واضح بشقّين، عدا السياسي الذي غطّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتحديد ضرورة وقف النار في غزة أو رفض تحديد مساحة جغرافية لابتعاد حزب الله عن الحدود في منطقة جنوبيّ الليطاني: أولاً، أن اسرائيل ملزمة بتنفيذ القرار ووقف مخالفاتها له عبر الطلعات الجوية والخروقات المتكررة حتى قبل اندلاع الأحداث العسكرية، والثاني أن لا قدرة للجيش، في الوقت الذي ينفذ فيه انتشاراً أمنياً داخل لبنان، على سحب ألوية وأفواج من الداخل الى الجنوب، أو على رفع عديده جنوباً من 4500 عنصر الى ما فوق العشرة آلاف، ليتلاءم مع المتطلبات التي تصرّ عليها النقاشات الغربية.
فالتطويع اليوم في ظل الوضع الاقتصادي يحتاج الى موازنة غير متوافرة، رغم أن الكلام السياسي الحكومي بدأ يتناول هذا الملف جدياً، علماً أن الجيش لا يزال يعتمد على مساعدات شهرية خارجية لعناصره، إضافة الى عدم قدرته على تأمين الأمور اللوجيستية التي تلحظها الطلبات الغربية، وتحتاج الى تمويل لا قدرة للبنان على تحمّله. لذا تحرّك مجدداً موضوع المساعدات للجيش، من ألمانيا التي رفعت مساعداتها عن السنة الماضية في شكل لافت.
وإذ تصرّ النقاشات الديبلوماسية الغربية على توسيع وجود الجيش، تضع في المقابل حماية عناصرها أيضاً على المحك، لجهة التنسيق بين القوة الدولية والجيش وعدم تعرّض القوات الدولية لأيّ مخاطر. لكن الاستحقاق الأساسي يبقى بالنسبة الى لبنان في كل ذلك، وقف الحرب كبداية لأيّ نقاش سياسي تتولاه الحكومة.
ويندرج موضوع النازحين السوريين أيضاً في أجندة الوفود الغربية، مع بعض التمايز. فبعض الدول لا تقارب الموضوع لعدم تأثيره عليها مباشرة كبريطانيا مثلاً، فيما بعضها يتناوله جدياً، ومنها دول متوسطية أوروبية وأممية. وجرت في الأيام الأخيرة محادثات حول وضع النازحين أثارت خلالها هذه الوفود امتعاضاً لبنانياً لرفضها أيّ طلبات لبنانية تتعلق باتخاذ بعض التدابير اللوجستية لجهة ضبط وجود النازحين في بعض المناطق التي ارتفعت فيها وتيرة الأعمال الأمنية، أو لجهة الأموال التي يتقاضونها أو تصنيف النازحين بين معارضين وموالين ونازحين قسراً أو لأسباب اقتصادية، وخصوصاً أن جمعيات أممية وأوروبية تسعى الى تأمين اندماج مجموعات منهم في لبنان، رغم أنهم ممن يزورون سوريا دورياً وليسوا معارضين للنظام السوري. كما ترفض هذه الوفود رفضاً قاطعاً أيّ محاولات لقوننة وجود النازحين، رغم ما يقدّم إليها من معلومات أمنية واقتصادية، وإنّ ثمة تمادياً في فرض إيقاع مدروس تماشياً مع رغبة الدول ولا سيما المتوسطية منها، في عدم تهاون لبنان مع عمليات التهريب بحراً، إضافة الى عدم استهداف النازحين بأيّ إجراءات لتشجيع بقائهم في لبنان.
ويتشعب الكلام عن تعامل هذه الوفود مع ملف النازحين من دون الأخذ في الحسبان اقتراحات يقدّمها المعنيّون في لبنان. وقد تكون الفرصة اليوم متاحة لمزيد من الضغط الأوروبي والأممي للتعامل مع ملف النازحين السوريين، في غير مصلحة لبنان، في لحظة حساسة ينشغل فيها لبنان باحتمالات الحرب الإسرائيلية عليه.