كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
يقوم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بزيارة إلى قطر تكتسب أهميّة خاصة في توقيتها وظروفها وآفاقها المستقبلية ربطاً برمزيّة انفتاح القيادة القطرية على القيادة الإسلامية في لبنان وهي التي عانت وتعاني تراكمات الأعوام العجاف من الحصار والاستهداف في الزمن السوري الغابر وما تلاه من استباحة سياسية لمراكزها تحت عناوين توحيد القرار تحت راية القيادة السياسية التي ما لبثت أن علّقت وجودها وعادت دار الفتوى حرّة لتواجه مخاطر الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحيدة سوى من إجماع أهل السنة على مرجعيّتها وعلى ضرورة أخذها دورها الجامع داخلياً وعربياً وإسلامياً.
في عناوين الزيارة، التقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في الدوحة وزير الدّولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي الذي أبدى، وفق المكتب الإعلامي في دار الفتوى «كلّ الدّعم والمساعدة الّتي كانت وما زالت وستبقى من دولة قطر للبنان وللّبنانيّين». من جهته، أكّد دريان أنّ «ما تقوم به اللّجنة الخماسيّة بخصوص لبنان هو خارطة طريق يُبنى عليها»، وقال «إنّنا لا نرى خلافاً بين اللّبنانيّين، بل هناك تباين في وجهات النّظر بين القوى السّياسيّة اللّبنانيّة». كما أكّد «أنّنا لا نريد للقوى السّياسيّة أن يزايد بعضها على بعض في الدّفاع عن سيادة لبنان وحريّته واستقلاله. كفانا شعارات رنّانة وطنّانة، نريد أفعالاً لا أقوالاً».
وفي البُعد القطريّ للزيارة، هي مؤشِّر على رفع الدوحة منسوب اهتمامها بلبنان وخاصة بالمرجعية الإسلامية فيه في ظلّ مقاربة تقوم على التناغم مع التوجّه السعودي في لبنان، وهذا سيسمح بفتح منافذ للتدخّل الإيجابي كما يحصل في دعم الجيش اللبناني، ورغم أنّ الانفتاح القطري يشمل وزراء وسياسيين، غير أنّ للاهتمام بالشأن الديني وقعاً خاصاً، بالنظر إلى الظروف التي تمرّ فيها دار الفتوى، وهذا سيعني أيضاً تعزيزاً لحضور الدوحة في الميدان اللبناني مع بدء تنفيذ الخطوات العملية في دعم المؤسسة الدينية.
لا شكّ أنّ قطر تدعم جمعيات إسلامية وجهات سنّية وغير سنّية من خلال مؤسساتها الإغاثية المعروفة، لكنّ دعم دار الفتوى سيكون فاتحة مرحلة تعزيز الموقع السني في المعادلة الوطنية وتقوية منطق الاعتدال في مواجهة بعض حالات الغلوّ والتطرّف التي لا تكاد تغيب حتى تعود في كلّ مرة بلبوس مختلف.
وإذ تتميّز دار الفتوى باستقلالية خاصة عن الدولة وهذا له بُعده التاريخي من حيث النشأة، لكنّها لم تنجُ من السطوة السياسية التي بلغت ذروتها عندما فاخر الرئيس سعد الحريري عبر الإعلام بالضغط على مفتي الجمهورية حتى لا يلاقي البطريرك بشارة الراعي في دعوته إلى حياد لبنان، لكنّ الدار أصبحت الآن أكثر تحرّراً وباتت أبوابها أمام جميع القيادات السنية لتتنافس في تقديم خدماتها على المستوى المؤسساتي أو على المستوى السني العام.
لا تحتاج دار الفتوى إلى المال فقط للنهوض، بل تحتاج إلى تطوير مؤسّساتها على مستوى الكفاءات البشرية وعلى مستوى التنظيم الإداري وبثّ الروح في مكامن الجمود المسيطر منذ عقود على كثير من مفاصلها وإزاحة بعض من طال التصاقهم بالمقاعد فتحوّلوا إلى عبء على المؤسّسة الدينية بعد أن استنفدوا ما لديهم وباتوا حجر عثرة أمام الإصلاح والتطوير.
والأهمّ في هذا السياق ما ينبغي الوصول إليه من إحياء سُنّة الوقف وحسن استثمار الثروة الوقفية الكبيرة لدى دار الفتوى. فهذه ورشة تستحق أن يُطلب لأجلها الدعم من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر للإسناد في مجال الخبرات وما قد تحتاجه هذه الورشة من دعم مالي، لأنّ الاستثمار فيها من شأنه أن يبدأ الطريق نحو حماية هذه الأوقاف وتطويرها وإعادة مجدها عندما شكّلت ركيزة التكافل الاجتماعي في المجتمع، فلا يمكن الاتكال دائماً على المساعدات الجارية لأنّها معرّضة للانقطاع، بينما الاستثمار الوقفي ثابت ويتمدّد.