كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يتجدّد الحراك الديبلوماسي، والمتمثل بممثلي اللجنة الخماسية التي تضمّ كلاً من الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، مصر وقطر، بغية الدفع باتّجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، رغم أنّ الاهتمام الدولي ينصبّ على نحو مباشر على الحرب المندلعة في غزة وعلى الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان، والعمل على وقف إطلاق النار. وقد جوبهت هذه المساعي برفض مطلق من جانب «حزب الله» ربطاً بطلبه وقف العدوان الإسرائيلي بحق القطاع.
ومع ذلك، يبدو أنّ مكوّنات «الخماسية» تستعدّ لإعادة تشغيل محرّكاتها، تمهيداً لعقد اجتماع جديد، ولو أنّ المؤشرات الظاهرة للعيان، لا توحي بأنّ تطوّراً نوعياً ما قد حصل في الفترة الأخيرة ومن شأنه أن يساهم في تحقيق الخرق في جدار الرئاسة المقفل. وتذهب تقديرات بعض السياسيين اللبنانيين إلى حدّ استبعاد أن يتمكّن البرلمان الحالي من انتخاب رئيس بسبب «توازن الرعب» الذي يسوده، ما يحول دون تشكيل أكثرية قادرة على إنجاز هذا الاستحقاق، ولو أنّ ثمة رأياً آخر يعتقد أنّ الرهان على تغيير جذري في تركيبة البرلمان، في غير محلّه، لأنّ صناديق الاقتراع لن تأتي بأي أغلبية ساحقة، وبالتالي ستعيد تكريس مشهد التنوّع السياسي ذاته. ما يعني أنّ العلّة ليست في تركيبة البرلمان أبداً ولا يمكن معالجتها باللجوء إلى برلمان جديد.
حتى الآن، يبدو الأفق مقفلاً لا سيّما أنّ التجارب تدلّ على أنّ هناك صعوبة إن لم نقل استحالة في دفع «حزب الله» إلى تليين موقفه في اللحظات الصاخبة والضاغطة، وعادة هو من يلجأ إلى التشدّد بموقفه حين تكون الأمور محتدمة من حوله وعليه. ولهذا يقول بعض المواكبين إنّه طالما أنّ صوت المعركة هو الأعلى، فهذا يعني أنّ باب الرئاسة مقفل، لأنّ نتائج «الحرب» سواء حصلت أم لم تحصل، هي التي ستنتج «بروفيل» الرئيس المقبل، خصوصاً أنّ المنطقة برمتّها باتت فوق صفيح ساخن، ما يعني أنّ التسويات لم تعد بالمفرق. والأرجح أنّ مسار لبنان ورئاسته باتا مرتبطين بمصير المنطقة حين سيتمّ التفاهم على تهدئة جبهاتها.
وهذا ما يدفع كُثراً إلى الاعتقاد أنّ الحراك المرتقب من جانب «الخماسية» هو من باب تحضير الأرضية لا أكثر لكي تكون نتائجها مواكبة لأي تطوّر على مستوى المنطقة.
غير أنّ ما يتسرّب من مناخ الفرنسيين، أكثر المتحمّسين لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، يشي بأنّهم متفائلون في إقفال هذا الملف في وقت قريب. باعتقاد بعض المسؤولين الفرنسيين أنّ نجاح تجربة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بمعنى الضغط الذي مارسته «الخماسية» لفرض التمديد، يسمح بالعمل جدياً لإسقاط هذا السيناريو على الرئاسة، مع العلم أنّ الاستحقاقين مختلفان في حيثياتهما وفي مقاربة القوى السياسية وحساباتها، لهما.
لكنّ بعض المسؤولين الفرنسيين يعتقدون أنّ الظروف السياسية المحيطة، ربطاً بالضغوط التي تمارس على «حزب الله» لتطبيق القرار 1701، تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية، قد تساعد في تليين موقف «الحزب» بشأن الرئاسة، أسوة بما حصل في التمديد لقائد الجيش. ويبدو وفق المعلومات، أن مكوّنات أخرى في «الخماسية» لا تقلّ حماسة عن الفرنسيين، ولا تفاؤلاً بشأن التوصل إلى صيغة تسوية قد تنتج رئيساً خلال الأشهر المقبلة على قاعدة أنّ فرص سليمان فرنجية انتهت وباتت الرئاسة مسألة وقت لا أكثر، والسؤال هو متى تنجز؟ بعدما كان هل تنجز؟ إذ يفترض أن تعقد «الخماسية» اجتماعها قريباً (لم يُحسم بعد التاريخ) على أن يعود الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، لتُستأنف بعدها جلسات انتخاب الرئيس.
وفي هذا السياق يندرج أيضاً الحراك الذي بدأه السفير السعودي وليد البخاري حيث التقى كلّاً من السفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو، والسفير المصري علاء موسى، وذلك ضمن جولة يقوم بها على سفراء «الخماسية». ويتردّد أنّ ثمة معطيات إيجابية باتت في جعبته قد تملي على بلاده عرض طرح محدّد على الاجتماع المقبل للخماسية، قد يفضي في نهاية المطاف إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي…
ولكن على مقلب المطلعين على موقف «الثنائي الشيعي» لا معطيات جديدة انقلابية من شأنها أن تعطّل ترشيح سليمان فرنجية أو أن تبعده عن الحلبة. لا يزال ترشيحه صامداً، غير قابل «للعزل»، رغم أنّ «حزب الله» قطع الأمل نهائياً من إمكانية ضمّ جبران باسيل إلى ضفّة القطب الزغرتاوي. وهذا بالنتيجة، ما يترك الرئاسة في مربّعها الأول المقفل.