كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
غيّرت الحرب حياة القرى الحدودية الجنوبية وأنماط عيشها. وحده صوت القصف المدفعي والفوسفوري والغارات يصدح في الميدان. بالكاد تجد من قرّر البقاء، غالبيتهم من كبار السن الذين يرفضون النزوح وترك منازلهم. فالرحيل بالنسبة الى فوزية نصر الله ابنة بلدة عيناتا “موت”. تمضي السيدة الثمانينية أيام الحرب القاسية برفقة شقيقتها، كلاهما من الجيل المغروز في الأرض حتّى الموت. تسير رمزية على عكازها قائلة “النزوح بدو مصاريف ونحن ع قد حالنا”.
مع اشتداد وطأة القصف تختبئ السيدتان داخل المنزل. بحسب رمزية “من يجلس على كرسي إلى أين سيذهب؟ نفضل الصمود على النزوح”. وتعتمدان على حواضر المنزل في توفير طعامهما، وتتابعان الأخبار عبر مذياع صغير، وتنتظران انتهاء الحرب في أسرع وقت. اعتادتا دوي القصف والغارات، صار مألوفاً، خصوصاً مع تزايد حدّته في الأيام الماضية.
لم تسلم بلدة كوكبا من الغارات، فقد كانت بعيدة نسبياً عن القصف منذ بداية المعارك. استُهدفت أمس بصاروخين من مسيّرة إسرائيلية كانت تلاحق سيارة من سوق الخان حتى كوكبا. في الأيام السابقة لم تتعرض البلدة للقصف المباشر، ما دفع بعدد من النازحين للجوء إليها، حيث فتحت مركزي إيواء، يضمّ الأوّل 4 عائلات من بلدة حلتا، وآخر يضم عائلات من كفرشوبا، ويبلغ تعداد النازحين فيها قرابة 50 نازحاً، وفق عضو المجلس البلدي ميرا خوري .
بالطبع ترك الاستهداف المباشر أثره على البلدة، وأحدث نوعاً من “الإرباك”، وفق خوري التي ترى أنّ ما حصل “ليس مستغرباً من عدو ينتهك قرى الجنوب كلها”، وتلفت إلى أنه لا “توجد قرى على الحياد، كلّها عرضة للإستهداف”، وتقول “لولا ملاحقة المسيّرة للسيارة لما استهدفت كوكبا”. سقط صاروخ على أحد الطرق والثاني في حديقة منزل المواطن شاكر قلعاني، ولم يُسجّل سقوط إصابات.
لم يستوعب قلعاني ما حصل، يقول: “استيقظت على صوت الغارة وتطاير الشظايا على جدران المنزل”، لافتاً إلى أنّ “الغارة أحدثت حفرة كبيرة في بستان الزيتون وخلفت أضراراً في المكان”. ما يريحه أن عائلته كانت خارج المنزل “فعلاً إنها العناية الإلهية”.
من جهتها، تلفت خوري إلى أنّ “البلدية وضعت خطة طوارئ منذ بداية الحرب تحسّباً لأي طارئ، وجهزت مكاناً خاصاً لإيواء أبناء كوكبا، إذا تسارعت وتيرة الحرب”.
تُعدّ كوكبا بلدة سياحية، تنشط فيها السياحة الدينية، ويقصدها السياح من مختلف القرى والمناطق اللبنانية لزيارة مزار سيدة حرمون الذي افتتح عام 2022، كما تشير خوري، وأيضاً عين المسيح العجائبية، إضافة إلى زيتون كوكبا المعمّر.
وتؤّكد خوري أنّ “السياحة كانت تُحرّك العجلة الاقتصادية للبلدة، اليوم هذه الحركة مشلولة تماماً، فلا أحد يقصد البلدة، فهي قريبة من الخطوط الأمامية للحرب. وانعكس الأمر أيضاً على الحركة التجارية، فكانت كوكبا تعتمد على القرى المجاورة والعابرين في اتجاه البقاع، اليوم كل شيء متوقف، حتى محال الحلويات التي تشتهر بها متوقفة بالكامل”.
وترى خوري أنّ “الاعتداء الإسرائيلي على البلدة، وهو المرة الأولى منذ بداية الحرب، سيدفع إلى تعزيز خطة الطوارئ. فالبلدية وضعت حرّاساً عند مداخل البلدة ويوجد شبان يتجولون في الأحياء. لكننا لا نستطيع ضبط المداخل، فالبلدة مفتوحة ونعيش في قرى متجاورة، أشقاء”، مردفة “في النهاية نحن في حرب، وقد نتعرض للقصف مجدّداً”.
أكثر ما يقلق أهالي كوكبا هو الواقع الصحّي في ظل عدم وجود مستشفيات مجهّزة للحرب، غير أنّ خوري تشير إلى أنّ “البلدية عملت على تأمين بطاقات صحية لكبار السن وتؤمن لهم الأدوية، لكن خوفنا الأكبر هو عدم جهوزية المستشفيات، والأقرب إلينا هو مستشفى حاصبيا”.