Site icon IMLebanon

شتاء عكار: معاناة وتقاذف مسؤوليات

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

يشكّل موسم الشتاء للقاطنين في عكار معاناة حقيقية بسبب المشكلات والكوارث التي تتفاقم في فترات العواصف ويعيشها المواطن بكل تفاصيلها في منطقة تفتقد أبسط مقوّمات الإنماء المتوازن.

قبل الإنهيار الإقتصادي وتراجع خدمات الدولة إلى أدنى حدودها كانت الأوضاع في عكار سيئة، فماذا يمكن أن يقال عنها بعد 4 سنوات من ذلك؟ وإذا ما أضفنا انقطاع التيار الكهربائي التام، كما خدمات الإنترنت والاتصالات، فإنّ المشهد البديهي يتكرر عند كل شتوة أو عاصفة على الشكل الآتي: طرقات تتحوّل أنهاراً وتجرف المياه معها كل ما استطاعت حمله من حجارة وأتربة ونفايات وحيوانات نافقة، الى الممرّات العامة، ما يعيق سير السيارات لأيام أحياناً.

فبعد كل شتوة يصبح المرور على الطرقات العكّارية أشبه بمن يمرّ على طريق زراعية مرصوفة بالبحص والأشواك. حتى الطريق العامة أو الرئيسية العبدة – حلبا فتفتقر الى مواصفات الطرق الرئيسية لمحافظة، وهي مخصصة لمرور أكثر من 600 ألف نسمة يومياً من عكار، ناهيك عن الزائرين من خارجها والنازحين إليها، وهي طريق لا تتجاوز العشرة أمتار في اتجاه واحد مليئة بالحفر والمطبّات، وعليها عشرات، بل مئات التعديات ومصمّمة منذ أكثر من خمسين عاماً عندما كان عدد سكان هذه المنطقة لا يتجاوز 20% مما هو عليه اليوم.

أما الطرقات الداخلية لمعظم القرى والبلدات فهي عبارة عن حفر وخنادق ومطبات جاء الفيضان الأخير وحوّل الكثير منها أخاديد أو محاها عن الخريطة. ونذكر هنا، على سبيل المثال، الطريق التي تصل بلدتي برقايل ومجدلا، وقد غيّر الفيضان المائي الأخير معالمها وحفرَ فيها حفرة عميقة جعل إمكانية السير أشبه بمشاكسة للواقع.

وليس في العديد من القرى قنوات تصريف، وإن وجدت فهي أقنية بدائية جداً أو مبنية بغير المواصفات التي يجب أن تكون عليها، وبالتالي لا تتناسب والضغط المائي، وبالتالي لا تصرّف المياه التي أنشئت لأجلها. ونشير إلى أنّ قناة نهر البارد التي كلما طافت خرّبت الكثير من عشرات البيوت المحمية لأهالي المحمرة والجوار، وقناة أراضي الشيخ زناد وقد طافت أخيراً وقضت على المزروعات. هي أقنية قديمة العهد وتالفة ويعود بها الزمن لأكثر من خمسين عاماً ولم تعد صالحة، فيما المطلوب العمل على تحديثها وتوسيعها، وهذه مطالب أهالي المناطق هناك والمزارعين.

وبعد كل عاصفة وقبلها تتواصل المناشدات ومطالبة الدولة والبلديات والوزارات بالعمل على تحسين واقع البنى التحتية، لكنّ أحداً لا يتحرك، وإذا فعل تبقى الحركة من دون بركة. ويوزّع أهالي المنطقة المسؤولية في أكثر من اتجاه، بين حكومات ووزارات، وبلديات، ونواب ومتعهّدين، لكن جميع هؤلاء عند الحقيقة يمكنهم رمي المسؤولية عنهم ووضعها في مكان آخر وتقاذف كرتها من هنا إلى هناك، لتبقى المسؤولية ضائعة.

وما يزيد الطين بلّة هو تلكّؤ قسم كبير من البلديات في معالجة شؤون المواطنين الحياتية، خصوصاً مع كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية، حتى أنها لم تعد تعزّل طرقات القرى بعد الفيضانات بحجة عدم توفر الأموال في صناديقها.

وبعد كل فيضان تزداد الأضرار وتتراكم الخسائر، ولا يذكر المزارعون والمتضررون أنّ الهيئة العليا للإغاثة أو غيرها قد عوّضت على الناس من عدة سنوات مضت، بل إنّ كشوفات عدّة نظّمت من سنوات لا تزال في الأدراج في انتظار صرفها. ويرى بعض أبناء المنطقة أنّ أعمال متعهّدي الطرقات والبُنى التحتية في عكار، سواء عبر وزارة الأشغال العامة أو عبر مجلس الإنماء والإعمار في السابق، لم تكن أكثر من سمسرات وترضيات ومحسوبيات لطرقات وجدران وجسور صُرفت عليها مئات الآلاف من الدولارات والنتيجة «صفر مكعّب».

كما أنّ أنهار عكار من دون سواتر، وليس هناك أي خطة لوزارة الطاقة والمياه ولا لمصلحة مياه لبنان الشمالي ولا لأي جهة في كيفية الإستفادة من مياهها بسدود أو غيره. فهي تفيض في الشتاء، بالإضافة إلى أنّ مسار المياه الفائضة في الغالب يكون نحو الأراضي والطرقات والمنازل، مخلّفة وراءها الكثير من الأضرار، تماماً كما حصل قبل أيام في مناطق السهل بعد طوفان النهر الكبير.