كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
“ما بقا عنا حكي…بدن يمحو كل آثار جريمتن ويحولوا ضحايانا ال220 اللي بعدا أشلاءن عالقة على ما تبقى من أهراءات المرفأ إلى ذكرى سنوية عابرة…بس ما راح نسكت وما راح نفقد إيمانا وصبرنا.الطريق طويلة منعرف بس بصلوات ضحايانا راح نكمل ونوصل لحقيقة مين فجر مرفأ بيروت؟”.
كلمات قد لا تختصر حال أهالي ضحايا جريمة 4 آب لحظة تلقيهم خبر إصدار المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان قرارا قضى بوقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، بحقّ وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس في 16 أيلول 2021.
جدير ذكره أن قرار القاضي سليمان أتى استجابة لطلب تقدّم به الوكيل القانوني لفنيانوس المحامي طوني فرنجية. وبإحالته إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي الذي استجاب للقرار ونفّذه على الفور، بات فنيانوس غير مقيد اليدين وبإمكانه السفر إلى الخارج. وبذلك أسقطت الملاحقات القضائية بحق فنيانوس والخليل “.
ممارسات السلطة السياسية ومجموعة قضاة تحولوا إلى آداة تنفيذية في يدها أخرجت بعض الأهالي عن طورهم. الغضب كان سيد الموقف لكن … البعض الآخر استعاد تلك اللحظة التي توقفت فيها عقارب الزمن عند السادسة وسبع دقائق من تاريخ 4 آب 2020.”من لحظة صدور القرار المجحف والظالم لم تجف دموع والدتي” تقول المحامية سيسيل روكز . غضبها يتكلم ويعبر عن وجعها عن حزنها عن نقمتها على حفنة مجرمين انتزعوا شابا كان يملأ البيت فرحا وحياة. وبحرقة تقول ” الإجراء الذي اتخذه صبوح غير قانوني لكن المسالة القانونية معقدة جدا والقاضي طارق البيطار مكفوف اليد والنيابة العامة التمييزية التي يفترض أن تكون في صفنا هي الخصم والعدو. انتظرنا أن يصار إلى التحقيق في تهمة اغتصاب السلطة التي وجهها مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات للقاضي البيطار وأن يصدر قرار من القاضي حبيب رزقالله”.
العقد كثيرة وكثيرة جدا” سنطلب من مجلس القضاء الأعلى تشكيل هيئة إتهامية وسنبقي على تحركاتنا في الداخل كما الخارج لكن حتى دوليا المسار ليس أكثر تعقيدا وتشابكا”.
تدرك روكز كما كل أهالي الضحايا أن قرار القاضي سليمان ليس إلا حلقة في سلسلة محاولات إفراغ ملف التحقيق في جريمة 4 آب، وهي بدأت بإغراقه بطلبات الرد، والسطو على صلاحيات المحقّق العدلي طارق بيطار بالإدعاء عليه من دون وجه حق من جانب المدعي العام التمييزي غسان عويدات، مرورا بإخلاء الأخير سبيل جميع الموقوفين خلافًا لأي نص قانوني ووصولا إلى وقف العمل بمذكرة التوقيف بحق فنيانوس ومن قبله النائب علي حسن خليل عندما استرد المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان مذكرة التوقيف الصادرة بحقه بالإستناد للذريعة نفسها المتمثلة بكف يد القاضي بيطار.
غضب اهالي الضحايا على نهج الممارسات التعسفية التعطيلية لمسار التحقيق لن يبقى ضمنيا. فإلى دعمهم لقرار مكتب الإدعاء في ملف تفجير المرفأ بتقديم طعن في قرار وقف تنفيذ مذكرة التوقيف بحق فنيانوس، يحضر الأهالي للقيام بتحرك إعتراضي أمام قصر العدل الثلثاء المقبل .
هذا في الداخل أما على المستوى الدولي، فمن المقرر أن يطلب الأهالي من المقررين الخاصين للأمم المتحدة المعنيين بالقضية مراسلة الدولة اللبنانية بهذا الخصوص.
إيلي حصروتي نجل الضحية غسان يؤكد أن الإجراء الذي اتخذته النيابة العامة التمييزية “يثبت أن هناك إرادة بتفريغ الملف من مضمونه وإقفال ملف المرفأ وهم يدأبون على اقتناص أية فرصة تسمح لهم بضرب العدالة وتحرير المسؤولين عن هذه الجريمة من أغلال المحاسبة وهذا الواقع مستمر منذ أربعة أعوام “.
كل هذه المحاولات لطمس الحقيقة تحولت إلى خنجر يحفر في جرح عذابات أهالي الضحايا. “مع كل إجراء قانوني وقضائي تعسفي نستعيد لحظة التفجير في 4 آب، وكأنهم بذلك يريدون إيصال رسالة لأهالي الضحايا مفادها أننا غير موجودين في حساباتهم. وكأن كرامة الإنسان وحرمة الموت مفقودة. لذلك يضيف حصروتي لـ” المركزية”، أن الجرح لن يختم والنزيف مستمر وهم يتعمدون ذلك لتكبيل كل خطوة نقوم بها كأهالي ضحايا للوصول إلى الحقيقة وتفريغ إيماننا ومثابرتنا وإصرارنا على محاسبة المجرمين مهما طال الزمن”.
الرسائل وصلت والرد عليها سيكون من خلال “المواجهة بكل السبل القانونية”. أما على المستوى الشخصي فيؤكد حصروتي رفضه بأن يكون ضحية هذه الطبقة وهذا النهج المعتمد في القضاء ، وفي السياق يواظب على دعمه القضائي وإبقاء هذه الجريمة حاضرة في أذهان الشعب والأجيال من خلال “مبادرة 4 آب” التي تساهم على المستوى التربوي في نشر التوعية لدى الطلاب والأجيال لأن تكون محطة 4 آب الدموية والمأساوية بمثابة كتاب مفتوح يدرّس في المدارس والجامعات “فلا نكون ذات يوم ضحايا سلطة فاسدة وممعنة بالإجرام. ولا تكون هناك فاجعة 4 آب ثانية”.