كتب عمار نعمة في “اللواء”:
لا توحي المؤشرات اليوم بقرب انتهاء دوامة الحرب في غزة والمناوشات الحدودية المرتبطة بها سواء المتعلقة بلبنان أو بدول المنطقة، ما يعني أن البلد ما زال يعيش حالة اللاإستقرار القائمة منذ ربطه بالعدوان الإسرائيلي على غزة. على أن ما يُحكى الآن يركز على ما بعد تلك الحرب في مفاعيله العسكرية والسياسية، ونعني ما يتعلق بالشأن اللبناني الذي لن يكون ما بعد تلك الحرب كما قبلها في ما يتعلق بحدوده الجنوبية وبمستقبله.
فلبنان بعد الحرب حدوديا لن يعود إلى ما قبل تاريخ السابع من تشرين الأول 2023، على صعيد تنفيذ القرار 1701 الذي كان العدو الإسرائيلي أول من خرقه.
لذا يشير مواكبون لحركة الموفدين الدوليين وعلى رأسهم، لا بل أهمهم المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، إلى ان إرهاصات مرحلة ما بعد عدوان غزة تشي بحراك لبناني يحاكي حراكا مماثلا يتعلق بالمنطقة برمتها وفي صلبها القضية الفلسطينية.
والحال أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تتجنّب صداما جديّا مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وسط ازدياد الفجوة بين الجانبين وتعمقها مع كل يوم جديد. بما يعني أن الوضع جنوبا في لبنان ربطا بذلك سيستمر على جموده على صعيد «الحل» أو المخرج المأمول.
تنفيذ متوازن للـ 1701
لكن الأكيد، وفق المواكبين للحراك الديبلوماسي، أن لبنان بات أقوى من قبل على صعيد مسألة التفاوض على حقوقه وهو أمام فرصة لتحريك المياه الراكدة جنوبا.
ولذلك أسبابه بدءا من موازين القوى المتعلق بمعادلة الردع التي حُصرت بإشغال العدو وليس بفتح جبهة ضده، بمعنى آخر أنها ستحصّل المكاسب بغض النظر عن وجع المعركة الذي تكبدته المقاومة والضريبة الكبيرة التي يدفعها لبنان من اقتصاده مع حركة النزوح التي قاربت الـ 80 ألفا، وهي الضريبة المرشحة للتصاعد كون الحرب ليست قريبة من وضع أوزارها.
هذا التعزيز للموقف اللبناني سيعني أنه سيرفع مطالبه من موقع قوة وهي المتعلقة أولا بتنفيذ الـ 1701 في شكل متوازن، مع بروز طروحات الموفدين الدوليين لكي يلتزم لبنان لوحده بوقف العمليات العسكرية أو إخلاء سبعة كيلومترات شمالا أو إيفاد قوات دولية جديدة، إضافة إلى ما تردد عن قرار دولي جديد أو تعديل الـ 1701.
بطرحه مسألة وقف العمليات من الجنوب مواكبة لتغيير غامض للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تحت مسمى المرحلة الثالثة (لا نعلم ماهيتها ولا نعلم أصلا إذا بدأت أم لا)، ومن دون طرح جديّ حول الحدود، أفشل هوكشتاين مهمته وبات غير مرشح لزيارة جديدة في المدى المنظور.
إضافة إلى ذلك، وهو مهم جدا، وطبعا بعد وقف الحرب كما يشترط «حزب الله»، يتمثل المطلب اليوم بتثبيت النقاط العالقة بين لبنان والعدو على الحدود.
هو يعني انسحابا إسرائيليا من كل الأراضي المحتلة بما يشمل تلك النقاط ويبلغ عددها 13 نقطة والجزء الشمالي من قرية الغجر. كما يطالب لبنان بانسحاب مماثل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا برغم أن ذلك صعب جدا وسط مطالبة أميركية وإسرائيلية باعتراف سوري للأمم المتحدة بلبنانية الأراضي.
هي مفاوضات صعبة إذا، والنقاط العالقة لا يرفضها الإسرائيلي بالمجمل، ويقول المتابعون للشأن الحدودي انه وافق على سبع منها، لكن نقطة الـ B1 غربا ستكون أصعبها كونها تكشف في ما تكشف الساحل الإسرائيلي وصولا إلى حيفا، وهو ما يضع الإسرائيلي فيتو عليه.
ضمانات أميركية مطلوبة
على أن هذا الحل الصعب والمعقّد مطلوب أن يكون بضمانات أميركية مُلتزم بها، لكن من جديد لا بحث فيها اليوم مهما كانت الإغراءات قبل وقف الحرب.
ففي العام 1949 وبعد عام من نشوء دولة إسرائيل، تم تثبيت خط الحدود ضمن إتفاقية الهدنة مع لبنان، لكن طرأ الخلاف على تلك النقاط «البقع» بعد تحرير العام 2000 وتمظهر أكثر بعد الإنسحاب الإسرائيلي على اثر عدوان تموز 2006، والمطلب اليوم يتمثل في دمج الخط الأزرق، الذي عارضه لبنان، مع الحدود الفلسطينية، بما يشمل البقاع العالقة ويثبّتها مع التذكير بأن القرار الأممي 1701 مرتكز على إتفاقية الهدنة العام 49.
يرى المواكبون لمسألة الحدود أن موقف لبنان يستمدّ قوته لدخوله الحرب إستباقيا قبل شنّها من قبل الإسرائيلي الذي كان سيشنّها بعد الانتهاء من غزة، هنا كانت «ضربة ذكاء» استباقية تضمنت بما تضمنت وضع موضوع الجنوب برمّته على طاولة التفاوض.
وبغض النظر عن صوابية هذا الرأي من عدمها، تُطرح هنا أسئلة كبرى: هل يكون لبنان على موعد مع ترسيم بري بعد الانتهاء من الترسيم البحري؟ إلى ماذا سيمهد هذا الترسيم (في حال حصوله) على صعيد المنطقة ككل؟ وقبل ذلك ثمة سؤال مبرر: هل يمكن للبنان، وسط شغوره الدستوري من دون رئيس للجمهورية، أن يلج قضية كبرى مثل هذه؟