كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يدخل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت مرحلةً جديدة بعد إصدار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله قراراً طالب بموجبه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بتصحيح الإدعاء على المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وذلك، بالتزامن مع إعلان قرار للمحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان، قضى بموجبه «وقف» تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة في حق وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس قبل أيام، على غرار الإجراء الذي سبق واتخذه القاضي عماد قبلان، لجهة إستعادة مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة في حق النائب علي حسن خليل.
ويندرج قرار القاضي رزق الله الناظر في ادعاء عويدات على البيطار بجرم «انتحال صفة محقق عدلي»، في إطار بتّ صوابيّة المطالعة القانونية التي استند إليها البيطار، والتي تفيد بعدم وجود نص قانوني يتيح كف يد المحقق العدلي عن عمله، فيما إستئناف عويدات القرار أتى أمام هيئة إتهامية لم تشكل بعد، ما أدخل الملف من جديد في «موت سريري».
واعتبر أهالي شهداء وضحايا 4 أب في بيان أنّ وقف مذكرات التوقيف «استمرار لنهج الإنقلاب على الإجراءات القضائية وعلى أبسط المفاهيم القانونية»، وإفراغ لملف التحقيق بعد أشهر من تعطيله عبر إغراقه بطلبات الردّ، ومن ثم السطو على صلاحيات المحقق العدلي طارق البيطار بالادعاء عليه دون وجه حق من جانب المدعي العام التمييزي، وأكدوا «دعمهم لقرار مكتب الإدعاء في ملف تفجير المرفأ بتقديم طعن في قرار وقف تنفيذ مذكرة التوقيف في حق الوزير السابق يوسف فنيانوس».
توازياً، تقدم المحاميان جاد طعمه ونجيب فرحات بعريضة الإنذار الثاني لجميع رؤساء غرف التمييز الأصيلين والمكلفين والمنتدبين، وطالبا بالتئام الهيئة العامة لمحكمة التمييز وبتّ الدعاوى المتعلقة بطلبات الردّ التي أعاقت لفترة طويلة عمل المحقق العدلي في ملف المرفأ. على أن تكون الخطوة التالية في حال عدم استجابة الطلب خلال الأيام العشرة المقبلة، البحث في إمكانية التقدم بدعوى مداعاة الدولة عن أعمال قضاتها ومسؤوليتها عن استنكافهم عن إحقاق الحق، والتي يجب تقديمها خلال مهلة الشهرين المحددة قانوناً.
وتعقيباً على التطورات القضائيّة المستجدة، إعتبر مرجع قضائي أنه «من المعيب رؤية هكذا ولدنات في العدلية»، وأنّ «الإدعاءات المتبادلة تندرج في خانة طقّ الحنك، وفشّة الخلق، ولا طائل من مقاربتها قانونياً كونها من دون جدوى». ولفت إلى أنّ كفّ يدّ المحقق العدلي طارق البيطار عن التحقيق يعود إلى الاعتراضات المقدمة من أصحاب العلاقة والتي تتطلب إجتماع الهيئة العامة لمحكمة التمييز لبتّها. ورأى أنّ خلاف عويدات – بيطار يعكس الصراع بين «صقور العدليّة»، قبل أن يشدّد على أنّ القرارات التي اتخذها القاضي غسان عويدات بعد تنحّيه كمدّعٍ عام للتمييز عن ملف التحقيق في المرفأ، تعدّ خرقاً واضحاً للقانون، وتأخذ طابعاً شخصياً لا قانونياً، تسقط بذهاب صاحبها، أي بخروج القاضي عويدات مع بلوغه السنّ القانونية للتقاعد في 21 شباط 2024.
وفي ظلّ تلك المؤشرات، تشير أوساط حقوقيّة متابعة إلى أنّ التأخير في تعيين الهيئة الإتهامية الناظرة في التحقيق مع المحقق العدلي طارق البيطار، 3 قضاة يعينهم مجلس القضاء الأعلى، قد يعود إلى بروز وجهات نظر مختلفة بين أعضاء المجلس، وتشدّد على أنّ الشكوى التي رفعها القاضي عويدات في وجه القاضي البيطار «لا تحول قانوناً دون إستكمال المحقق العدلي البيطار عمله، رغم الآثار المعنوية التي تركتها». ولفتت إلى أنّ القرار الذي اتخذه الرئيس رزق الله، المرتكز على أسباب موجبة، يترك الطريق مشرعاً أمام المحقق العدلي الذي يعود له وحده فقط، إتخاذ القرار الذي يرتئيه مناسباً لعمله، وتختم المرجعية القانونية بالقول: «أصلاً كان له حقّ إستكمال التحقيق!».
ولعلّ من المناسب الإشارة إلى ان تأجيل المحقق العدلي طارق البيطار كل جلسات الاستجواب التي حدّدها في شباط 2023، أتى بعد أن قرّرت النيابة العامة التمييزية عدم اعترافها بمذكراته وباستئناف التحقيقات، ونقل عنه قُبَيل مغادرته مكتبه في قصر العدل قوله: «هناك دعاوى ضدي باغتصاب السلطة يجب حلّها وإجراء تحقيق في شأنها، فإذا ثبت أنني مغتصب للسلطة يجب أن أحاسب وإذا ثبت العكس يجب استكمال التحقيق». فهل يأخذ من قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله، وبلوغ النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات السنّ القانونيّة مدخلاً لإستكمال التحقيق؟ وهل يُسمح بوصول نائب عام تمييزي يصوّب القرارات ذات الطابع الشخصي لسلفه (الرئيس عويدات)، تمهيداً لإستكمال التحقيق وإنصاف المتداعين، أو أقله إصدار القرار الظني في قضيّة بهذا الحجم؟!.