كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تسابق ملفّ الحرب في الجنوب والاعتداءات المتبادلة على طرفَي الحدود مع محاولة إيجاد حلّ للأزمة السياسية. وباتت الدول الكبرى على يقين بأنّ أي حلّ للأزمة اللبنانية ينطلق من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وسيشهد الأسبوع المقبل تزخيماً للاتصالات من أجل الدفع في اتّجاه انتخاب رئيس.
أحدث الدخول السعودي الجديد على خطّ الأزمة الرئاسية بارقة أمل لدى القوى التي تقاتل من أجل إتمام هذا الاستحقاق. وفي انتظار الاجتماعات الخارجية إذا تمّت وما سيصدر عنها من مواقف، يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حملته الهادفة إلى حضّ المعطّلين على التراجع عن قرارهم التعطيلي.
ومن المرتقب أن تشهد المرحلة المقبلة مجموعة لقاءات تجمع البطريرك الراعي بالمسؤولين والسفراء، وعلى رأسهم السفير السعودي وليد البخاري. ووصلت الرسالة السعودية إلى سيّد الصرح، ومضمونها «إننا نقف خلفك في الاستحقاق الرئاسي مثلما دعمنا موقفك الوطني الداعي إلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون ومنع الفراغ في المؤسسة العسكرية».
ويتّضح حجم التنسيق الكبير بين الرياض وبكركي في الملف الرئاسي. ويتولّى هذا التنسيق شخصياً كل من البطريرك الراعي والسفير البخاري. وتعبّر بكركي عن ارتياحها للموقف السعودي والعودة إلى الاهتمام بالشأن اللبناني وصون العلاقات المميزة بين البلدين، إذ تعتبر أنّ أحد أهم شروط نهضة لبنان هو إعادته إلى الحضن العربي والدولي.
لم تدخل بكركي مع الرياض سابقاً في لعبة الأسماء ولن تدخل هذا المضمار لاحقاً، بل يتمّ التركيز على المواصفات التي تشمل انتخاب رئيس سيادي وإصلاحي يبدأ مشوار الإصلاح ويُعيد الى الدولة هيبتها.
وإذا كانت بكركي راضية عن مواقف الدول الخارجية المهتمة بالشأن اللبناني، والتي تحرص على عدم انهيار هيكل الدولة والرئاسة، إلا أنها تعتبر من الواجب على الداخل القيام بعمله وعدم انتظار الخارج، والقضية سهلة وهي عقد جلسات متتالية لمجلس النواب تُسفر عن فوز أحد المرشحين البارزين.
وتجاوباً مع الضغط الخارجي ومحاولة الدفع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، تجري بكركي سلسلة اتصالات ولقاءات داخلية، خصوصاً مع القوى المسيحية الأساسية، أي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» و»الكتائب اللبنانية» و»تيار المردة» والنواب المستقلّين، بغية إيجاد أرضية مشتركة تلاقي الجهود الخارجية.
وتركّز الإتصالات على عدم تعطيل النصاب والتزام النواب المسيحيين حضور الجلسات الانتخابية عند الدعوة إليها، وفي هذه النقطة ليس هناك أي مشكلة، لأن الكتل المسيحية الأساسية والنواب المستقلّين، باستثناء «تيار المردة» وبعض النواب المسيحيين المنضوين تحت جناح «الثنائي الشيعي»، يلتزمون الحضور.
وبالنسبة إلى الأسماء، فـ»القوات اللبنانية» ومعها المعارضة أكدت الاستمرار في التقاطع على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، في حين لم يعلن «التيار الوطني الحرّ» الخروج من هذا التقاطع، بل يؤكّد رفضه محاولة «الثنائي الشيعي» فرض ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية على الرغم من عدم حصوله على غطاء مسيحي وعدم امتلاكه الأكثرية.
تعرف بكركي مثل القيادات المسيحية أنّ مشكلة انتخاب رئيس للجمهورية ليست مسيحية، لأنّ الأغلبية الساحقة من النواب المسيحيين تقاطعت على اسم أزعور، ولم تحترم بقية المكوّنات الإرادة المسيحية، وبالتالي لا تحضر فكرة عقد لقاء للأقطاب المسيحيين في بكركي بقوة لأنها لن تغيّر شيئاً من المشهد الانتخابي والرئاسي.
من جهة ثانية، تستعيض بكركي عن عقد لقاء كهذا بإبقاء خطوط التشاور مع كل الأطراف المسيحية واللبنانية وسفراء الدول الفاعلة، وستشهد بكركي في الأيام المقبلة المزيد من الإتصالات واللقاءات التي سيكون جزء منها بعيداً عن الإعلام، وتصرّ البطريركية على استعجال الانتخاب لأنّ النار التي تفتح في الجنوب قد تتمدّد والبلاد لا تستطيع تحمّل فراغ السلطة والحرب في آن واحد.