كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بنصيحة من عبارتين أفصح الرئيس السابق للحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط عن خفايا ما تشهده «الخماسية» الرئاسية والبلبلة التي أثيرت حول مواعيد متضاربة لجولة سفرائها على المسؤولين، أو حول موعد إجتماعها الذي لا يزال مجهولاً. على طريقته المعهودة «مرّك» البيك على سفراء «الخماسية» متمنياً عليهم دوزنة أمورهم ومواعيدهم.
أظهرت الأيام القليلة الماضية حجم الفراغ الذي يتخبط فيه الكل في لبنان، وكيف أنّ الساحة السياسية يحكمها مجرد حراك ديبلوماسي بات مرصوداً بقوة لدرجة أن يتحوّل إلى حدث يبنى عليه رئاسياً وأمنياً وعسكرياً.
رب قائلٍ إنّ سفيراً أراد سحب بساط الرئاسة من زميل له في الديبلوماسية فأدار محركاته مستعيداً زخم بلاده ليعيد التأكيد أنّ الكلمة الفصل له في الأول والآخر، وبين السفيرَين سفيرة ثالثة حادة الذكاء حسب الانطباع الأول الذي خلّفته أرادت أن تقول «الأمر لي».
لا أحد لديه الخبر اليقين، كيف انطلق خبر لقاء «الخماسية» في الاعلام. ومن بادر إلى رميه لينتشر كالنار في الهشيم. ثم أُعلنت زيارة السفراء الخمسة الممثلين لدول «الخماسية» على المسؤولين استباقاً لموعد اجتماعهم، ليتبين لاحقاً أنّ تبايناً بين السفراء أفضى إلى إلغاء زيارتهم. فالسفيرة الأميركية ليزا جونسون التي وصلت حديثاً إلى لبنان لم يرُق لها أن تكون ملحقة وتنضم إلى فريق ديبلوماسي لا تشرف على جدول أعماله، وتكون سبّاقة إليه. لم تعتد مندوبة أميركا أن تزور مسؤولاً من دون مبادرة واضحة وتخرج من دون نتيجة مرجوة ما يؤكد أن لا توجيهات جديدة بخصوص «الخماسية»، وأنّ أميركا لم تدخل بثقلها رئاسياً بعد، وأنّ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين مصرٌ على تكثيف جهوده الرامية إلى وقف الحرب انطلاقاً من جبهة الجنوب. وتؤكد مصادر على بيّنة أنّ اميركا في صدد مضاعفة الضغط على لبنان لالتزام تنفيذ القرار الدولي تحت طائلة تنفيذ اسرائيل تهديدها بالحرب الشاملة.
أبعد من ضمان أمن اسرائيل فلا مسعى أميركياً حالياً، ولهذا السبب اعتذرت السفيرة جونسون عن الالتحاق بزملائها السفراء فكان اتصال الاعتذار من رئيسي المجلس والحكومة ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على زيارة أجّلت مع عدم ذكر الأسباب ولا تحديد موعد جديد.
وكي تزيد البلبلة، وبناءً على طلبهما يحدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لسفيري مصر والسعودية في اليوم ذاته فيستقبلهما في عين التينة في لقاء لم يخرج عن حيّز البحث العمومي، والتأكيد على المسلّمات في ما يتعلق بالرئاسة. ومن فندق «فينيسيا» يتابع الموفد القطري خطوات نظيريه وعينه على الملف الرئاسي. لم يطلب مواعيد ولم يفصح عن سبب زيارته بعد.
تحدثت مصادر مطلعة عن خلاف في وجهات النظر بين أعضائها أدت إلى إلغاء مواعيد سفراء «الخماسية»، وقالت إنّ الخلافات انعكست تحركاً منفرداً لكل من السفراء الفرنسي والسعودي والمصري، الذين طلبوا مواعيد من الرئيس بري بشكل مستقل، وتابعت أنّ فحوى الخلافات تدورعلى جدوى التحرك في ظل عدم وضوح أي مبادرة وعدم الاتفاق على اسم للرئاسة، بالإضافة إلى عدم جدوى السير بمبادرة رئاسية بشكل مستقل عن مساعي التهدئة على الجبهة الجنوبية، وعدم تجاوب لبنان مع مساعي تطبيق القرار الدولي 1701.
يجري كل ذلك بينما الجهات المعنية بالاستحقاق الرئاسي ليست على علم بأي تطور يمكن أن يشكل مؤشراً للتقدم. يستغرب «حزب الله» الحديث عن نشاط لـ»الخماسية» والأساس الذي ينطلق منه أي اجتماع وشيك. فالاستحقاق الرئاسي لا يزال يراوح مكانه، فيما لا تزال الأولوية للميدان وجبهة الجنوب، وإن كان مرشحه سليمان فرنجية مستمراً في محاولات الضغط على حليفه ليظهر تمسّكه بترشيحه أكثر فأكثر. فكل من يزور رئيس «تيار المردة» يعود بخلاصة مفادها أنّ سحب ترشيحه من رابع المستحيلات، وأنّ حظوظه الرئاسية تتقدم على حظوظ أي اسم غيره.
لكن ما يلمسه الثنائي هو التضارب في المواقف من الرئاسة بين السفراء الخمسة. إذا كان الأميركي لم يحرك ساكناً بعد، فالفرنسي يجول مستفسراً باحثاً عن فرصة ينفذ إليها بدور جديد يعوّم حضوره رئاسياً، والقطري يصول ويجول وسط تضارب المعلومات في شأن موقفه. تارة يُنقل عنه تمسّكه باللواء الياس البيسري، وأخرى بقائد الجيش العماد جوزاف عون، ثم ميله إلى المرشح الثالث، أما السفير المصري علاء موسى فينشط بحراك ميّزه عن سلفه السفير السابق وأعاد بلاده إلى دائرة دورها المعتاد.
وفي خضم هذا الخلل الديبلوماسي، جاءت زيارة السفير الإيراني إلى منزل السفير وليد البخاري. ومن قال إنّ هذه الزيارة لم تكن وراء تريث السعودي بالتحرك مع بقية الدول، وإنّ السعودي يحسب خطواته مقدّماً مصلحة بلاده التي تقتضي الهدوء والتروي مع ايران بدليل قوله للاعلام عقب اللقاء «لا نجتمع إلا على خيركم»؟