كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
يعوم لبنان على أنهار من الماء ولا يستفيد منها، لا في تخزينها لأوقات الشحّ والجفاف، ولا في توليد الطاقة (الكهرومائية) لسدّ العجز في الطاقة الكهربائية، التي يحتاج اليها لبنان في مثل هذه الأوقات.
ثمّة 4 أنهار في عكار وهي: البارد، الأسطوان، الكبير، وعرقا. ينبع نهر البارد من منطقة عيون السمك ويصب في البحر الأبيض المتوسط، أما نهرعرقا فينبع من أعالي مناطق الجرود ويمرّ بعدد من القرى قبل أن يصب في البحر. نهر اسطوان وهو ثاني أهم نهر في عكار بعد النهر الكبير ينبع بشكل أساسي من نبع الشوح وعدة ينابيع أخرى على سفوح جبال القموعة ويمّر في عدّة بلدات خاصة في دير جنين والهد والسويسة وبلدة خريبة الجندي، لذلك يسمّى أيضاً بنهر الخريبة. أمّا النهر الكبير، ويسمّى في سوريا بالنهر الكبير الجنوبي، لأنه نهر مشترك بين لبنان وسوريا، ويشكّل حدّاً في مناطق جريانه، فيمتدّ على طول 56 كيلومتراً بين حدود سوريا (مدينة طرطوس) وحدود لبنان من جهة الشمال حيث يصبّ في البحر عند العريضة، ويقع العديد من قرى سهل عكار على ضفافه، كالسمّاقية وحكر الضاهري والعريضة والمسعودية.
إلا أنّ هذه الأنهار متروكة ومهملة ولا يستفاد من مياهها، فلا مشاريع سياحية أقيمت على ضفافها أسوة ببلدان أخرى، ولا محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، ولا سدود تحميها وتختزنها إلى وقت الحاجة. وقصة السدود عبارة عن مشاهد وروايات من المحاصصة وليست مشاريع مبنية على دراسات وأبحاث، والنتيجة كانت سدوداً «مثقوبة» لم تنفع لجمع المياه. ولم تجد الدولة أو وزراء الطاقة المتعاقبون، طريقة أفضل من الفيول لتوليد الكهرباء، بينما وضعت كل المصادر البديلة جانباً.
هذا في الأماكن والمناطق التي أقيمت فيها السدود، أما في عكار التي لم تعرف أنهارها السدود فإنّ الأنهار الأربعة تحّولت من مصدر مفترض للدعم الإقتصادي والاجتماعي على أكثر من مستوى إلى مصدر للمشاكل والأزمات على كاهل المنطقة المنهكة من الحرمان.
عن العلاقة بين المواطن العكاري والأنهار في منطقته، لا ندري هل نسميها معاناة الناس من الأنهار أم معاناة الأنهار مع الدولة والناس… فبعدما عاثت يد الإنسان تخريباً فيها وعاثت يد الدولة إهمالاً لها، ارتدّ الأمر سلباً على صحة المواطن وعلى اقتصاد الدولة. فالأنهار في عكار عرضة للتلوث من جرّاء المياه الآسنة والصرف الصحي التي تصبّ في مجاريها بشكل كبير، وهناك الكثير من أشكال التلوّث الأخرى تطال هذه الأنهار من مثل النفايات التي ترمى فيها وغيرها، علماً أنّ قسماً كبيراً من مزروعات عكار تسقى من مياه هذه الأنهار، ما ينذر بمخاطر صحية جسيمة يحذّر منها الأطباء بشكل مستمر.
أما الدولة اللبنانية فلم تفكّر في إنجاز أي مشروع حيوي للإستفادة منه اقتصادياً واجتماعياً وبقيت المشاريع مجرد أفكار ودراسات لم تصل عتبة التنفيذ. نذكر في هذا السياق مشروع إنشاء سد البارد الذي يحكى عنه منذ عقود ولا يزال نائماً في أدراج الحكومات إلى اليوم. لم تفكّر حتى منذ أكثر من 4 سنوات في تعزيل مجاري الأنهار في عكار، ولذلك كان طوفان النهر الكبير ونهر اسطوان هذه السنة مدمّراً على الأراضي الزراعية والبيوت المحمية وعلى المزارعين وعلى الأهالي في مناطق جوار هذين النهرين.
وإلى جانب الأنهار الأربعة الأساسية هناك عشرات الينابيع، وتجدر الإشارة إلى أن محطة توليد الطاقة الكهرومائية الموجودة عند معمل البارد تكاد تكون الوحيدة في هذا السياق، لكنها قديمة ومهملة وتحتاج إلى صيانة من سنوات وتحوّلت محطة توزيع وليس توليد، وبالتالي لا تستفيد المنطقة ولا البلد من إمكاناتها في توفير الطاقة الكهربائية.