تقرير ماريلين عتيّق:
عدد كبير من الضحايا، دمار شامل، وأهداف محددة. توصيف سريع وبسيط للحرب الإسرائيلية على حركة “حماس”، والتي بدأتها الأخيرة بعد الهجوم الذي نفّذته في السابع من تشرين الأول. ولكن بعد الغوص بتفاصيل هذه الحرب والضربات الإسرائيلية المركّزة، تنقلب الموازين وتبقى “الدقة” سيّدة الموقف. فما سرّ إسرائيل؟
خلال السنوات الأخيرة ومع التطور الملحوظ للتكنولوجيا، زوّدت السلطات الإسرائيلية نظامها الدفاعي والعسكري بالذكاء الاصطناعي، ما جعل حربها بلا سقف وبلا حدود.
ففي الحرب الحالية، تخلّت إسرائيل عن شرط مهم وهو عدد الضحايا المسموح به عند تنفيذ أي استهداف، وهو خمسة أشخاص، إذ استخدمت نظام ذكاء اصطناعي يسمّى “غوسبل”، ومهمته توليد الأهداف بغض النظر عن عدد الضحايا المتوقع.
ووفقًا لصحيفة “غارديان” البريطانية، فإن نظام “غوسبل” يسمح بإنجاز 100 هدف في اليوم الواحد، في حين كانت الاستخبارات الإسرائيلية تنفّذ 50 هدفًا في السنة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل الذكاء الاصطناعي بحروبها، ففي عام 2021، شنّ الجيش الإسرائيلي ما وصفه بحرب الذكاء الاصطناعي الأولى في العالم، استمرت لمدة 11 يومًا على غزة، تحت إسم “عملية حارس الأسوار”، وأسفرت عن مقتل 261 فلسطينيًّا وإصابة 2.200.
أما اليوم، فقد تجاوز عدد القتلى الـ26 ألفًا. فهل يكون الذكاء الاصطناعي وراء هذا الكم الهائل من الضحايا؟
في حديث لموقع IMLebanon، أكد الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، أن “إسرائيل دولة رائدة في مجال التكنولوجيا وتملك أهم شركات الأمن السيبراني والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، كما أن العديد من الشركات العالمية وخاصة الأميركية هي غطاء لشركات إسرائيلية، وهذا ما يدلّ على مدى تطور نظام الدفاع الإسرائيلي”.
وأوضح أبي نجم، أن “الذكاء الاصطناعي مرتبط بشكل أساسي ومباشر بالـData المأخوذة من عدة مراكز ومصادر، أي من Data الإتصالات، بصمات الصوت، تقنية التعرف على الوجه والصوت، التتبع عبر الأجهزة الموصولة على الإنترنت، التتبع عبر الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية”.
وأضاف: “كل هذه المعلومات الدقيقة إذا تم جمعها عبر الذكاء الاصطناعي تساعد العملاء في استهدافاتهم”، مشيرا إلى أن “هذا ما يفعله نظام Gospel، فمهمته إعطاء معلومات دقيقة عن العناصر التي تنوي إسرائيل استهدافها، وهو يعمل بواسطة ما يسمّى التعلم الآلي ويحلل البيانات من مختلف المصادر”.
إلى ذلك، رأى أبي نجم أن “هناك جدلًا واسعًا حول موضوع فشل إسرائيل في إحباط هجوم السابع من تشرين الأول، فالبعض دخل في نظريات المؤامرة واعتبر أن إسرائيل تقصّدت غض النظر عن الهجوم لإعطاء ذريعة لحربها”، لافتا إلى أن “ما حصل فعليًّا لا يحتاج لرقابة عبر الذكاء الاصطناعي، فالاختراق تم عبر المظلات والجرافات”.
وتابع في السياق: “حتمًا هناك علامات استفهام تطرح هنا، فهل فعلًا لم تكن إسرائيل على علم بعمليات التخطيط وحفر الأنفاق؟ أم أن هذا الفشل كان مقصودًا؟ الاحتمالان واردان، علمًا أنه يمكن التحايل على أهم برامج الذكاء الاصطناعي والمراقبة”.
وفي ما يخصّ جبهة الجنوب، قال أبي نجم لـIMLebanon: “نعلم جيّدا أن حزب الله يملك شبكة اتصالات داخلية سلكية، لكن هناك معلومات تقول إنها مخروقة، وهذه الشبكة تربط المراكز ببعضها، فإذا كانت المهمة خارج مناطق الشبكة ستضطر عناصر الحزب للتنقل وبالتالي استخدام أجهزة لاسلكية ما يسهّل عملية الخرق”.
وكشف عن أنه “من خلال تقنية الـFace recognition، تستطيع إسرائيل أن تحدد أهدافها بدقة عالية، لذلك خرقت كاميرات المراقبة في الجنوب، واستخدمت المسيّرات في الأجواء اللبنانية القادرة على مراقبة الصوت والصورة من مسافة بعيدة، بالإضافة إلى أقمارها الصناعية، وكل ذلك لجمع المعلومات”.
لا شك إذًا أن الذكاء الاصطناعي دعم ترسانة إسرائيل العسكرية، ما سمح لها بتنفيذ هذا العدد الهائل من العمليات الدقيقة، وإسقاط هذا الكم من القتلى، خلال حربها المستمرة على قطاع غزة.
ورغم أن الهدف المعلن من استخدام “Gospel” هو تقليل عدد الضحايا المدنيين، واستهداف مقاتلي حركة حماس وسائر الميليشيات، إلا أن الواقع يثبت أن هذا النظام تسبب بخسائر بشرية كبيرة.
ولكن الأمر المؤكد في هذا الموضوع، هو أن الذكاء الاصطناعي لا يعمل من تلقاء نفسه، ومن يشغّله هو الإنسان بحدّ ذاته.
ويبقى السؤال الأهم: هل توجّه إسرائيل فائض القوة هذا نحو بيروت قريبًا؟