كتبت زينب حمّود في “الأخبار”:
في التاسع من كانون الثاني الماضي، سطّر حارس أحراج في جبل البيرة (قضاء عكار) محضراً بـ «قطع 700 شجرة معمّرة من السنديان والعفص والصنوبر والشربين، بعضها يزيد عمرها على 300 سنة بطريقة وحشية»، مشيراً إلى أن الفراغات الخالية من الأشجار في الجبل، بسبب القطع والحرق، «تبلغ مساحتها 355 ألف متر مربّع».منذ سنوات، يتعرّض الجبل الغني بأشجاره البلوطية والإبرية والعطرية والطبية، والذي يُعدّ متنفساً للراحة والاستجمام لأهالي المنطقة، لحرائق متعمّدة ولقطع جائر تحت غطاء رخص التشحيل، كل ذلك طاول عدداً كبيراً من أشجار السنديان والكينا والحرجيات، ما أدّى عام 2019 إلى انهيارات تحصل للمرة الأولى في الجبل بسبب تساقط الأمطار وانحسار الغطاء النباتي.
وبعدما صارت تجارة الحطب مربحة إثر ارتفاع أسعار المازوت، سادت أخيراً موضة «السطو» على الأشجار المعمّرة من الأملاك العامة والخاصة على أيدي عصابات منظّمة في عكار والبقاع وإقليم الخروب وغيرها. ففي بلدة شحيم، في قضاء الشوف، اقتلع مجهولون قبل أيام 70 شجرة سنديان معمّرة وعدداً من أشجار الزيتون في أرض يملكها عوني نجم الدين الذي قال إنه «رغم أن الحادثة ليست الأولى من نوعها. إلا أنها المجزرة الكبرى»، مؤكداً أن «هذه ليست سرقة بغرض التدفئة، ولو كانت كذلك لقطعوا شجرتين تكفيانهم طوال فصل الشتاء».
وبيّن تحقيق استقصائي بعنوان «قطع الأشجار في عكار من تجاوز فردي إلى تجارة عامة» (أعدّه وفيق الهواري) لـ «الحركة البيئية اللبنانية»، أنّ 25% من المساحات الحرجية في منطقة عكار تعرّضت للقطع، معظمها من أشجار السنديان والأرز والصنوبر واللزاب المعمّرة. بسبب القطع الجائر، خسرت منطقتا فنيدق والقموعة 25% من غاباتهما الحرجية (20 مليون متر مربع) في السنوات الثلاث الأخيرة فقط، فيما خسرت بلدة بزبينا 10% من أحراجها (250 هكتاراً)، وتراجعت المساحات الحرجية في بلدة بينو من كيلومترين مربّعين إلى 0.5 كلم مربّع فقط. وينقل التحقيق عن مختار بلدة ممنع إبراهيم حنا أن «الحرج المشترك بين بلدتَي ممنع وتكريت، والذي تبلغ مساحته أكثر من 200 ألف متر مربع، تحوّل إلى صحراء».
اللافت أن العصابات المنظّمة، في عكار مثلاً، باتت تعمل علناً، ولا تتردّد في استخدام السلاح وتهديد أصحاب الأراضي في حال قدّموا شكاوى. وتلفت ميرا مخول، من بلدة ممنع، إلى أن «مجموعة من الأشخاص أقدمت في السابع من كانون الثاني الماضي على قطع أشجار معمّرة في أرض يملكها طوني مخول. وعندما حاول منع أفرادها، وجّهوا إليه الشتائم وأطلقوا عليه النار». ويؤكد ناشطون في عكار أنّ «قطع الأشجار مستمرّ على مدار الساعة، وتشهد على ذلك أصوات المناشير في كل مكان»، لافتين إلى أنّ «الفاعلين هم من أهالي القرية والقرى المجاورة، إضافة إلى طفار ممّن نظّموا عصابات تتقاسم المناطق الحرجية، ويشتبك بعضُها مع بعض بسبب الخلاف على الحدود»!
ويؤكد الناشطون أن هذه العصابات تستمد «جرأتها» من شبكة علاقات تربطها برؤساء بلديات ورؤساء مخافر ونافذين من نواب حاليين وسابقين في المنطقة، ممن «تُقدّم إليهم هدايا من الحطب». ويؤكد أحد رؤساء البلديات في عكار تواطؤ رئيس المخفر في بلدته مع السارقين، فـ«عندما نتقدم بشكوى في المخفر ضدّ مجموعة تقطع أشجاراً ونطلب التدخل الفوري، يعتذرون بحجة عدم توفّر الآليات. وعندما نضع آلياتنا في تصرفهم، وقبل أن نصل إلى مسرح الجريمة، ينسحب المعتدون، ويُقفل الملف تحت عنوان بلاغ كاذب. أما إذا حصل واستجابت الأجهزة الأمنية وأوقفت بعضهم، فيُفرج عنهم خلال 24 ساعة».